لطالما قسّم العلماء الأشجار إلى نوعين رئيسيين بناءً على نوع الخشب الذي تنتجه: الخشب اللين مثل الصنوبر والتنوب، الذي ينمو بسرعة أكبر، والخشب الصلب مثل البلوط والقيقب، الذي يستغرق عقودا لينضج ويصبح أكثر كثافة، ولكن الأبحاث الحديثة كشفت عن شيء جديد تماما: فئة ثالثة من الخشب أطلقنا عليها اسم "الخشب المتوسط"، قد يكون لهذا الاكتشاف أهمية كبيرة في مواجهة ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون (CO₂) في الغلاف الجوي للأرض، السبب الرئيسي لتغير المناخ.
الأشجار كأحواض كربون طبيعية
تُعتبر الأشجار أحواضا طبيعية للكربون، حيث تمتص كميات هائلة من CO₂ وتخزنها في خشبها، وتبرز شجرة التوليب (Liriodendron tulipifera)، المعروفة أيضًا باسم الحور الأصفر، كواحدة من أفضل الأنواع في التقاط الكربون، ففي المناطق الوسطى من المحيط الأطلسي في الولايات المتحدة، تخزن الغابات التي تهيمن عليها أشجار التوليب ما بين ضعفين وستة أضعاف كمية الكربون مقارنة بالغابات التي تحتوي على أنواع أخرى من الأشجار، وقد أصبحت هذه الأشجار شائعة في المزارع في أجزاء من جنوب شرق آسيا، وتعتبر خيارا جيدا لالتقاط الكربون في الحدائق والمدن الأمريكية.
لماذا تُعتبر شجرة التوليب مميزة؟
تنتمي شجرة التوليب إلى سلالة قديمة تعود إلى 50-30 مليون سنة، وهي فترة شهدت تحولات كبيرة في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وعلى الرغم من بقاء نوعين فقط من هذه السلالة اليوم، فإن تركيبتهما الكيميائية وبنيتهما الفريدة قد تكون السبب في قدرتهما المذهلة على التقاط الكربون.
تقنيات التحليل التقليدية للخشب تعتمد على دراسة الخشب الجاف، ما قد يؤدي إلى فقدان معلومات دقيقة عن تركيبته. ولكن باستخدام تقنية المجهر الإلكتروني الماسح في مختبر ساينسبري بجامعة كامبريدج، تمكنّا من ملاحظة الخشب الحي بدقة تصل إلى النانومتر، مع الحفاظ على رطوبته الطبيعية.
تطور هيكل الخشب
قمنا بدراسة أنواع مختلفة من الأشجار في حديقة كامبريدج النباتية لفهم تطور هيكل الخشب، ووجدنا أن حجم الألياف الرئيسية، التي تتكون أساسا من السليلوز (البنية الكيميائية الأساسية للخشب)، يختلف بشكل كبير بين الأخشاب الصلبة واللينة، ففي الأخشاب الصلبة، يبلغ قطر هذه الألياف حوالي 16 نانومتر، بينما في الأخشاب اللينة مثل الصنوبر، يصل قطرها إلى 28 نانومتر. هذا الاختلاف قد يفسر لماذا تكون بعض أنواع الخشب أفضل في تخزين الكربون من غيرها.
ولادة "الخشب المتوسط"
عند دراسة شجرة التوليب، وجدنا أن هيكل أليافها يقع في نطاق وسط بين الخشب الصلب واللين، حيث بلغ قطر الألياف حوالي 22 نانومتر. كان هذا الاكتشاف غير متوقع تماما، مما دفعنا إلى تصنيف خشب شجرة التوليب كفئة جديدة تماما أطلقنا عليها اسم "الخشب المتوسط".
"الخشب المتوسط": حليف جديد في مواجهة الكربون
لماذا تمتلك أشجار التوليب هذا النوع الفريد من الخشب؟ لا يمكننا أن نجزم بالأسباب بشكل قاطع، ولكننا نعتقد أن ذلك يعود إلى الضغوط التطورية التي واجهتها هذه الأشجار منذ ملايين السنين. عندما تطورت أشجار التوليب لأول مرة، كانت مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تنخفض من حوالي 1000 جزء في المليون إلى 500 جزء في المليون. قد تكون هذه النقصان في ثاني أكسيد الكربون المتاح دفعت الأشجار إلى تطوير طريقة أكثر كفاءة لتخزين الكربون، مما أدى إلى هيكل الألياف الفريد لديها.
أهمية الاكتشاف
لم يعد بإمكاننا الافتراض بأن جميع الأشجار تقع ضمن فئتي الخشب الصلب أو اللين كما كان يعتقد العلماء لسنوات طويلة. فشجرة التوليب، بهيكلها "الخشب المتوسط"، تمثل نموذجا فريدا من الأشجار التي تتكيف مع احتياجاتها البيئية عبر الزمن، نحن الآن نستكشف ما إذا كانت هذه البنية الفريدة هي السبب الرئيسي في قدرة هذه الأشجار العالية على التقاط الكربون، ونوسع بحثنا لمعرفة ما إذا كانت هناك أنواع أخرى من الأشجار تمتلك "الخشب المتوسط" أو أنواعا جديدة من الخشب لم تُكتشف بعد.
تؤكد هذه الاكتشافات على أهمية البحث النباتي والدور الذي تلعبه المجموعات النباتية مثل تلك الموجودة في حدائق كامبريدج النباتية في كشف النقاب عن أسرار جديدة في علم النبات.