اكتشاف خزانات المياه المخفية على القمر ودورها في استكشاف الفضاء

المياه على سطح القمر

المياه: المفتاح لحياة الإنسان خارج الأرض

مع اقتراب البشرية من تحقيق حلم العيش خارج كوكب الأرض، يصبح توفير الموارد الأساسية مثل الأكسجين والغذاء والماء أمرا ضروريا. وعلى القمر، يُعد تحديد مواقع المياه المخزنة تحديا رئيسيا لضمان استدامة الحياة.

يقوم فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو بدراسة مصادر المياه القمرية، في خطوة تدعم مهمة "أرتميس" (Artemis) التابعة لوكالة ناسا، والتي تهدف إلى استكشاف القمر واستيطانه مستقبلاً. ومن خلال تحليل الصخور القمرية، اكتشف الباحثون أن معظم المياه على القمر مصدرها داخلي أو ناتج عن اصطدام المذنبات، مما يدحض الفرضية التي تفترض أن الرياح الشمسية كانت السبب الرئيسي في تكوين المياه القمرية.

فك ألغاز المياه على القمر

بينما تتجه الأنظار نحو استيطان القمر والمريخ، يعد تحديد مصادر المياه القمرية أمرا بالغ الأهمية، فهل توجد المياه في الفوهات العميقة؟ أم أنها محاصرة في المناطق المظللة دائما؟ أم أنها تتركز في الأقطاب القمرية؟

يعمل باحثو جامعة كاليفورنيا - سان دييغو على الإجابة عن هذه الأسئلة، حيث يُمكن أن يساعد بحثهم، المنشور في دورية PNAS ضمن عدد خاص بعنوان "المياه على القمر والمريخ"، في توجيه البعثات الفضائية المستقبلية، وخاصة برنامج "أرتميس" الذي يعتبر حجر الأساس لوجود بشري مستدام على سطح القمر.

إرث استكشاف القمر: من أبولو إلى أرتميس

لطالما كانت فكرة وجود المياه على القمر محل جدل بين العلماء، في عام 1967 طرح العالِم الحائز على جائزة نوبل هارولد يوري وزميله جيمس أرنولد نظرية تفترض وجود المياه في المناطق القمرية المظللة دائما، واليوم يعتقد العلماء أن المياه القمرية نشأت من ثلاثة مصادر رئيسية:

1. المياه الأصلية: التي تكونت مع نشأة القمر نفسه.

2. تفاعل الرياح الشمسية: حيث يتفاعل الهيدروجين القادم من الشمس مع الأكسجين الموجود على القمر، مكوّنا جزيئات الماء.

3. اصطدامات المذنبات: حيث جلبت المذنبات الجليدية كميات هائلة من الماء عند ارتطامها بسطح القمر.

وبما أن المياه كانت عنصرا أساسيا في نشوء الحضارات على الأرض، فمن المرجح أن تلعب دورا مماثلا عند إنشاء مستعمرات فضائية دائمة.

معلومة سريعة:

يُعتقد أن القمر تكوّن قبل 4.5 مليار سنة نتيجة اصطدام كوكب آخر بالأرض، ما أدى إلى تشكل القمر من الحطام المتناثر في الفضاء.

أُجريت بعثات أبولو بين عامي 1961 و1972، وجلب رواد الفضاء 842 رطلاً (382 كغم) من الصخور القمرية، بعضها تم تحليله في مختبرات جامعة كاليفورنيا - سان دييغو.

تسعى ناسا من خلال برنامج "أرتميس" إلى استكشاف القمر والاستعداد لإرسال بعثات مأهولة إلى المريخ في المستقبل.

كيف يتم استخراج المياه من الصخور القمرية؟

لفهم أصول المياه القمرية، قامت الباحثة مورغان نون مارتينيز، أثناء دراستها العليا في جامعة كاليفورنيا، بتحليل صخور قمرية من بعثة أبولو 9 (1969), باستخدام تقنية "الإطلاق الحراري"، تم تسخين العينات إلى 50، 150، و1000 درجة مئوية، مما أدى إلى إطلاق كميات متفاوتة من الماء المخزن داخل الصخور.

عند درجات الحرارة المنخفضة: تحررت جزيئات الماء المرتبطة بشكل ضعيف بالمعادن.

عند 1000 درجة مئوية: تم إطلاق الجزيئات الأكثر تماسكا، والتي كانت محاصرة بعمق داخل الصخور.

تمت تصفية الغازات المنبعثة لتحليل نظائر الأكسجين، وهي طريقة علمية تُستخدم لتحديد أصل المواد الفضائية، تماما كما يمتلك البشر بصمات فريدة، تتميز المذنبات والشمس وغيرها من الأجرام السماوية بتوقيعات نظيرية مميزة، مما يسمح للعلماء بتحديد المصدر الأصلي للمياه القمرية.

نتائج مذهلة: ما هو المصدر الحقيقي لمياه القمر؟

كشفت النتائج أن معظم المياه القمرية جاءت إما من القمر نفسه أو من اصطدامات المذنبات، وهذا يناقض النظرية السابقة التي تفترض أن الرياح الشمسية لعبت الدور الأكبر في تكوين المياه هناك.

يقول ماكسويل ثيمانس، الباحث المشارك في الدراسة:

"ما يجعل هذا البحث رائعًا هو أننا استخدمنا تقنيات تحليل متطورة تدعم استنتاجا منطقيا: الكثير من المياه القمرية كانت موجودة منذ البداية، بينما أضافت المذنبات المزيد. أما الرياح الشمسية، فلم تكن فعالة كما كان يُعتقد."

القمر والمريخ: ماذا يحمل المستقبل؟

إضافةً إلى دراسة القمر، أجرى الباحثون تحليلات مماثلة على عينات من المريخ، ويعتقد العلماء أنه إذا نجحت مهمة "أرتميس" في إنشاء مستعمرة بشرية على القمر، فستكون هذه خطوة حاسمة نحو استيطان المريخ أيضا.

يؤكد مارك ثيمانس، أحد العلماء الرئيسيين في الدراسة:

"هذه الأبحاث توفر لنا أدلة قيمة حول أماكن تواجد المياه على القمر، وهو أمر بالغ الأهمية لنجاح مهمة أرتميس، في نهاية المطاف، الهدف الحقيقي هو الوصول إلى المريخ، وتشير بياناتنا إلى أن المياه هناك قد تكون أكثر وفرة من نظيرتها على القمر."

الخطوة التالية: استخراج المياه للاستخدام البشري

إن تحديد مواقع المياه ليس سوى بداية الرحلة. التحدي الأكبر يتمثل في كيفية استخراج المياه بكميات كافية لدعم الحياة البشرية، وستكون هناك حاجة إلى تقنيات جديدة وابتكارات متطورة لتحقيق هذا الهدف.

هل يصبح القمر قاعدة انطلاق نحو استيطان المريخ؟ الأيام القادمة تحمل الإجابة.