لطالما كان أصل الشعر الأشقر موضوعا مثيرا للنقاش بين العلماء، ومع ذلك أحدثت دراسة جديدة أجراها عالم الوراثة الشهير الدكتور ديفيد رايش نقلة نوعية في فهمنا لأصول هذه الصفة الجينية، حيث أشارت إلى أن مصدر الشعر الأشقر يعود إلى مناطق غير متوقعة في العالم: سيبيريا القديمة في أوراسيا الشمالية.
أصول الشعر الأشقر في سيبيريا
في دراسة رائدة نشرتها مجلة "ساينس"، كشف الدكتور رايش عن اكتشاف جذور الشعر الأشقر التي تعود إلى مجموعة سكانية قديمة عاشت في المناطق المغطاة بالثلوج في سيبيريا والمناطق المحيطة بها منذ آلاف السنين، هذا الاكتشاف يتحدى المعتقدات الراسخة حول تطور الصفات الجسدية، ويسلط الضوء على جزء من تاريخ البشرية القديم الذي كان غالبا ما يُتجاهل.
الباحثون يكشفون العلاقة بين الشعر الأشقر والسكان الشماليين
دكتور رايش وفريقه، الذين قاموا بدراسة الجينومات الخاصة بالبشر القدامى من مناطق جغرافية متنوعة، ركزوا بشكل خاص على المناطق السكانية القادمة من سيبيريا، وبينت النتائج أن أول الأشخاص الذين ظهر لديهم الشعر الأشقر كانوا من "الصيادين-الجامعين" الذين عاشوا في المناطق الشمالية الباردة منذ أكثر من 10 آلاف عام.
التكيف مع البيئات القاسية
يشير الدكتور رايش إلى أن تطور الشعر الأشقر لم يكن مجرد طفرة جينية عشوائية، بل كان نتيجة لتكيف بشري مع الظروف البيئية القاسية في تلك المناطق، بما أن سيبيريا تعرف بشتائها الطويل والمظلم، كانت البشرة الفاتحة والشعر الأشقر مفيدين في امتصاص أشعة الشمس، مما يساعد على تصنيع فيتامين D الضروري للبقاء على قيد الحياة في تلك الظروف.
انتشار الشعر الأشقر في أوروبا
أظهرت دراسة الدكتور رايش أن الجينات المسؤولة عن الشعر الأشقر انتشرت عندما هاجرت المجموعات السكانية من سيبيريا إلى أوروبا، في أوروبا أصبحت هذه الصفة أكثر شيوعا، لا سيما في شمال القارة، حيث ساعدت الهجرات واختلاط الجينات في تعزيز هذه السمة، هذا التحول الجيني كان مدفوعا بالانتقاء الطبيعي والانحراف الجيني.
الجينات التي تحدد لون الشعر
من الناحية الجينية، ينتج الشعر الأشقر عن طفرات في جين MC1R، وهو الجين المسؤول عن تصبغ الشعر. بينما تؤثر جينات أخرى في لون الشعر، تعتبر طفرات MC1R من أبرز العوامل التي تحدد اللون الفاتح، ويظهر من الأبحاث أن أسلاف سيبيريا القدماء الذين امتلكوا الشعر الأشقر قد حملوا هذه الطفرات، مما مكنهم من تطوير هذه الصفة.
انتقال الصفات الجينية عبر الهجرات
التبادلات الجينية والهجرات بين المجموعات السيبيرية وأوروبا كانت جزءا من شبكة معقدة من التأثيرات الجينية، فعندما انتقلت هذه المجموعات إلى أوروبا، تم اختلاط إرثها الجيني مع مجموعات أخرى، مما ساهم في تعزيز انتشار الشعر الأشقر في مناطق أوروبا الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، تبين أن هذه المجموعات السيبيرية كانت من بين أول من عبر جسر بيرينغ البري إلى الأمريكتين.
الشعر الأشقر في مناطق أخرى من العالم
ومن اللافت للنظر أن الشعر الأشقر قد يظهر في مجموعات سكانية بعيدة عن سيبيريا وأوروبا، في بعض المناطق المعزولة في أوقيانوسيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، تم العثور على حالات نادرة من الشعر الأشقر، والتي يُعتقد أنها نتجت عن اختلاط جيني قديم مع مجموعات أوراسية.
يُظهر هذا البحث الرائد أن أصول الشعر الأشقر ليست محصورة فقط في شمال أوروبا كما كان يُعتقد سابقا، بل تعود إلى المناطق الشمالية الباردة في سيبيريا، من خلال هذه الاكتشافات، يمكننا الآن فهم كيف أن الهجرات البشرية والتفاعلات الجينية قد ساهمت في انتشار هذه الصفة في أنحاء مختلفة من العالم.