طور فريق من الباحثين مستشعرا حيويا ذاتي التشغيل قادرا على اكتشاف بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli) في مياه الشرب والقضاء عليها في الموقع مباشرة، يمثل هذا الابتكار قفزة نوعية في تقنيات تنقية المياه، مما قد يسهم في توفير مياه شرب آمنة حول العالم.
عيوب الطرق التقليدية في اكتشاف البكتيرية
تعتمد الطرق التقليدية مثل الاستزراع المخبري أو تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) على عمليات معقدة تستهلك الوقت والجهد، فضلا عن الحاجة إلى معدات متخصصة وكوادر مدربة، أما المستشعرات الحيوية (Biosensors) فتوفر استجابة أسرع، لكنها عادةً ما تتطلب مصدر طاقة خارجيًا وتعاني من مشكلات الاستقرار على المدى الطويل.
لكن المستشعر الجديد يعالج هذه التحديات من خلال ثلاثة مكونات رئيسية تتيح له توليد طاقته ذاتيا وتحقيق أداء أكثر استدامة.
المكونات الثلاثة للمستشعر الجديد
1. خلية وقود حيوية إنزيمية (EBFC) لتوليد الطاقة
يعتمد المستشعر على خلية وقود حيوية إنزيمية (EBFC)، وهي آلية تستخدم إنزيم جلوكوز أوكسيداز (GOx) لتحليل الجلوكوز وإنتاج الإلكترونات (الكهرباء) وبيروكسيد الهيدروجين، لكن مشكلة هذا الإنزيم تكمن في فقدان استقراره بمرور الوقت
لمعالجة ذلك، قام الباحثون بتغليفه داخل إطار معدني عضوي مجوف (MOF) يسمى ZIF-8، مما يوفر له الحماية من التلف ويحافظ على كفاءته واستقراره في ظروف بيئية مختلفة
2. استخدام الأبتاميرات لاكتشاف الإشريكية القولونية
يستخدم المستشعر أجساما مضادة تُعرف باسم الأبتاميرات (Aptamers)، وهي سلاسل قصيرة من DNA قادرة على الارتباط ببروتينات معينة على سطح E. coli
ترتبط هذه الأبتاميرات بجسيمات الفضة النانوية (AgNPs)، والتي تعمل كحاجز يمنع وصول الجلوكوز إلى الإنزيم حتى يتم اكتشاف الإشريكية القولونية. عند وجود E. coli، ترتبط بها الأبتاميرات، مما يؤدي إلى إزالة الحاجز والسماح للجلوكوز بالوصول إلى الإنزيم، ينتج عن ذلك تفاعل أكسدة يُطلق إلكترونات، مما يولد إشارة كهربائية تؤكد وجود البكتيريا
3. آلية القضاء على البكتيريا تلقائية
إلى جانب الاكتشاف، يمتلك المستشعر آلية مدمجة للقضاء على البكتيريا باستخدام بيروكسيد الهيدروجين، وهو منتج ثانوي لخلية الوقود الحيوية، يؤدي هذا التفاعل إلى أكسدة جسيمات الفضة النانوية، مما يطلق أيونات الفضة (+Ag) المعروفة بخصائصها المضادة للبكتيريا، هذه الأيونات قادرة على قتل 99.9% من البكتيريا خلال ساعات قليلة
مستشعر أكثر كفاءة واستقرار
يتميز المستشعر الجديد بحساسية عالية، حيث يمكنه رصد بكتيريا الإشريكية القولونية بتركيز منخفض يصل إلى 3 CFU/mL. كما يحتوي على آلية تضخيم الإشارة (CHA) التي تعزز القراءة الكهربائية من خلال تكوين هياكل DNA مزدوجة الجديلة
أثبتت التجارب كفاءته في التمييز بين الإشريكية القولونية وأنواع أخرى من البكتيريا مثل المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus) والسالمونيلا (Salmonella)، كما أظهرت الاختبارات الميدانية باستخدام عينات من مياه البحر نسبة دقة تتراوح بين 91.06% و101.9%، مع احتفاظه بـ 90% من كفاءته حتى بعد خمس دورات استخدام
تحديات مستقبلية وفرص تطويرية
رغم النتائج الواعدة، يثير البحث تساؤلات حول إمكانية توسيع نطاق الإنتاج وتأثيره البيئي على المدى الطويل، فعلى الرغم من أن أيونات الفضة فعالة في قتل البكتيريا، إلا أنها قد تتراكم في البيئة، مما قد يؤثر على الميكروبات النافعة
لذلك، يوصي الباحثون بإجراء دراسات إضافية لتطوير آليات تحكم في إطلاق أيونات الفضة، بحيث يتم تقليل تأثيرها البيئي مع الحفاظ على فعاليتها المضادة للبكتيريا
هل يمثل هذا المستشعر ثورة في تنقية المياه
إذا نجح العلماء في التغلب على التحديات البيئية والتشغيلية، فقد يصبح هذا الابتكار حلاً مستداما لتنقية المياه عالميا، مما يسهم في مكافحة الأمراض المنقولة عبر المياه وتوفير مياه شرب آمنة لملايين الأشخاص حول العالم.