أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أنها ستوقف بدءا من كانون الأول/ ديسمبر 2025، عن تغطية تكاليف الاستشفاء للاجئين السوريين المسجلين في لبنان، في قرار يعد امتدادا لتقليصات تدريجية في الدعم الدولي، وينذر بأزمة صحية جديدة قادمة.
لبنان أمام أزمة صحية جديدة
ولفت الدكتور حسين الحسيني في تقرير له تعليقا على هذا الإعلان، إلى أن قرار المفوضية لم يكن مفاجئا لمن يراقب تقلص المساعدات منذ سنوات، لكنه اليوم جاء أثقل وسط نظام صحي لبناني متدهور، ما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة المستشفيات على تحمل العبء الإضافي الناتج عن توقف التمويل الأممي، خاصة في المناطق التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين.
ونقل التقرير عن لاجئة سورية تدعى أم خالد تقيم في عكار منذ عام 2013 قولها: "شو بدنا نعمل؟ ابني مريض سكري، والدوا ما عم نقدر نشتريه كل شهر"، مشيرا إلى حال هذه المرأة حل كثيرين باتوا الآن في مواجهة مباشرة مع واقع جديد، فلا تغطية صحية، ولا مدخول ثابت، ولا بدائل واضحة.
وبين التقرير بأن المفوضية كانت على مدى أكثر من عقد، تتحمل جزءا كبيرا من تكلفة العلاج الطارئ للاجئين السوريين، من الولادة إلى العمليات الجراحية، مما ساعد في تخفيف الضغط إلى حد ما عن القطاع الصحي اللبناني، لكن مع انحسار الدعم الدولي، بدأت تلك التغطية تتقلص تدريجيا، لتصل اليوم إلى الانقطاع الكامل.
انسحاب المفوضية من تغطية استشفاء اللاجئين السوريين
ولم تتأخر ردود الفعل الرسمية، فقد أعرب وزير الصحة اللبناني عن قلقه إزاء التداعيات المتوقعة لهذا القرار، محذرا من انهيار تدريجي لقدرة المستشفيات الحكومية على استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى غير القادرين على تحمل تكاليف العلاج، وأضاف: "لسنا ضد مساعدة أي إنسان، لكننا بحاجة ماسة إلى دعم مستمر لنتمكن من أداء واجبنا."
ومن جانبها، أكدت المفوضية أنها تجري مشاورات مكثفة مع الشركاء الدوليين والمحليين لإيجاد حلول بديلة، مشددة على أنها لم ولن تتخلى عن دورها، رغم التحديات المالية الكبيرة التي تواجهها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، توقع التقرير أن يشكل هذا القرار ضغطا إضافيا على الخزينة اللبنانية التي تعاني من عجز مالي متفاقم، مبينا أن تقديرات أولية تشير إلى أن تغطية الحد الأدنى من الخدمات الصحية للاجئين تتجاوز عشرات ملايين الدولارات سنويا، ما لم يتم توفير آليات دعم بديلة.
ولفت التقرير إلى أن هناك من يرى وسط كل هذه التحديات، بأن هذه الأزمة فرصة للتفكير الجدي في توزيع الموارد الصحية في لبنان، فقد تتاح الفرصة مع انسحاب المفوضية من ملف الاستشفاء، لإعادة هيكلة القطاع، وتوجيه الموارد نحو تحسين جودة الرعاية للمواطنين اللبنانيين، لا سيما في المناطق المهمشة.
وفي موازاة ذلك، بدأ عدد من المنظمات غير الحكومية المحلية بالتحرك لتقديم دعم مباشر للاجئين، سواء عبر عيادات متنقلة أو حملات توزيع أدوية مجانية، وذلك وفقا للتقرير، وقال أحد المسؤولين في إحدى هذه المنظمات: "لن نستطيع ملء الفراغ بالكامل، لكن يمكننا المساهمة في التخفيف، ولو جزئيا، من وقع الصدمة".
كما تتزايد الدعوات لإطلاق حملات توعية صحية موجهة للاجئين حول الخيارات المتاحة أمامهم للحصول على خدمات طبية بأسعار مدعومة أو مجانية، إذ إن غياب المعلومات الدقيقة قد يؤدي إلى تفاقم المعاناة ونتائج صحية كارثية على المدى القصير.
ولفت التقرير إلى أن السؤال الكبير هو إن كان المجتمع الدولي سيتحرك مجددا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم أن لبنان سيترك لمواجهة أزماته المتشابكة وحيدا؟
وختم بأن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة، فما بين انكماش دولي في الدعم، وتصاعد الضغط المحلي، يحتاج لبنان إلى استراتيجية واقعية، مدعومة بإرادة سياسية ومجتمعية، لتفادي انهيار صحي قد لا يقتصر ضرره على اللاجئين وحدهم.