نيفيل تيلر: التطبيع هو الخطيئة الكبرى التي يمكن أن يرتكبها فلسطيني بحق نفسه

أخبار

كاتب بريطاني ينتقد تطبيع السلطة مع "إسرائيل": هذه أسوأ خطيئة

29 شباط 2020 21:06

ناقش نيفيل تيلر وهو كاتب وأديب بريطاني مؤيد للقضية الفلسطينية، ازدواجية سلوك السلطة الفلسطينية في رام الله، في ادعاء مكافحة التطبيع مع الاحتلال، وممارسته بشكل علني، ورأى "تيلر" في مقال نشره على رئيسية

ناقش نيفيل تيلر وهو كاتب وأديب بريطاني مؤيد للقضية الفلسطينية، ازدواجية سلوك السلطة الفلسطينية في رام الله، في ادعاء مكافحة التطبيع مع الاحتلال، وممارسته بشكل علني، ورأى "تيلر" في مقال نشره على رئيسية موقع وكالة أوراسيا للتحاليل السياسية و الأنباء وحمل عنوان "الفلسطينيون مختلفون حول التطبيع" أن السلطة صنعت معضلة سياسية في ممارستها التطبيع عبر لجنة اسمتها التواصل مع المجتمع الاسرائيلي، ودعوتها لمحاربة التطبيع من جهة أخرى.

ووجد الكاتب البريطاني الذي يمتلك مجلة "A Mid-East Journal" أن التطبيع هو اسوأ خطيئة يمكن لأي فلسطيني أن يقترفها، في ظل النشاطات الجبارة التي تبذلها حركة المقاطعة الدولية الشهيرة بـ "BDS"، إذ أنه وبرأي الكاتب، ليس من المنطق أن يدعو الفلسطينيين من العرب وأحرار العالم أن يقاطعوا اسرائيل بينما يطبعون هم معها.

وتطرق "تيلر"  الذي حصل على جائزة MBE " رتبة الإمبراطورية البريطانية " عن انجازاته في الفن المسرحي والروائي، إلى استقالة مسؤول لجنة مخاطبة المجتمع الاسرائيلي في السلطة محمد المدني، والنظرة الشعبية الفلسطينية التي تنبذه وتعتبره خائن، ورأى تدخل الرئيس عباس المتأخر لدعم المدني لم يغير من سمعته وصورته المشوهة في الشارع الفلسطيني بسبب لقائه بالإسرائيليين.

وتساءل صاحب كتاب "الفوضى في الشرق الأوسط" الذي أثار ضجة كبيرة، عن الوقت الذي يمكن أن يستمر نهج السلطة المتناقض في صموده وسط اعتراض محبي القضية الفلسطينية عليه ومعارضة الشعب له.

وفيما يلي نص المقال الذي ترجمته النهضة نيوز:

لقد أثارت قضية التطبيع المشبوهة رأسها القبيح مرة أخرى مؤخرا ، حيث واجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس معضلة سياسية من صنع السلطة الفلسطينية نفسها .

فبالنسبة لمؤيدي القضية الفلسطينية المتشددين ، فإن "التطبيع" يعتبر أسوأ خطيئة سياسية يمكن لأي فلسطيني ارتكابها، فهم يصفون أي عمل مشترك بين الفلسطينيين و الإسرائيليين بأنه أحد أنواع الخيانة ، و قد تم اعتماد كلمة "التطبيع " ذاتها كمصطلح سيء السمعة و تهمة قاسية من قبل القيادة والمنظمات الفلسطينية التي تدعمها .

ففي سبتمبر من عام 2016، اعتقلت السلطة الفلسطينية أربعة فلسطينيين لمشاركتهم فنجان قهوة مع أفراد الجالية اليهودية في بلدة إفرات بالضفة الغربية، بدعوى أن قيامهم بلقاء اجتماعي مع المستوطنين يعتبر تطبيعا للعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي .

وفي ديسمبر من عام 2018 ، حكمت محكمة فلسطينية في رام الله على فلسطيني أمريكي بالسجن مدى الحياة لتوسطه في بيع منزل في مدينة القدس القديمة إلى منظمة إسرائيلية استيطانية .

و في يونيو من عام 2019 ، عزلت السلطة الفلسطينية راضي ناصر من وزارة التعليم و أبعدته كرئيس لمجلس قرية دير كاديس بالضفة الغربية بعد أن أظهر شريط فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي أربعة من الجيران الإسرائيليين يشاركون في الاحتفالات في حفل زفاف ابنه .

باختصار ، من وجهة نظر المناهضين للتطبيع ، إن أي نشاط مشترك أو تعاون أو حوار مع الإسرائيليين هو أمر غير مقبول، و حتى الانخراط مع نشطاء السلام الإسرائيليين الذين لديهم أفضل النوايا تجاههم ، حيث يتم اعتبار كل ما سبق بمثابة التعاون مع الاحتلال الاسرائيلي ، العدو الأساسي و المباشر للشعب الفلسطيني .

و قد نشأت آخر حالة عندما ظهرت تقارير على وسائل الإعلام الاجتماعية تنتقد مسؤولي فتح لحضورهم اجتماع في تل أبيب نظمه برلمان السلام الإسرائيلي ، و هي مجموعة مؤلفة من العديد من أعضاء و وزراء سابقين في الكنيست ، بالإضافة إلى نشطاء سلام يساريين و إسرائيليين عرب . و سرعان ما تم الكشف عن أن وفد السلطة الفلسطينية كانوا أعضاء في اللجنة الفلسطينية للتفاعل مع المجتمع الإسرائيلي ، و التي أقرها و أنشأها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنفسه في وقت سابق .

اقرأ أيضاً: محمود عباس يدعم عمل لجنة للحفاظ على العلاقات مع إسرائيل

حيث أسست القيادة الفلسطينية اللجنة في شهر ديسمبر من عام 2012 بشكل خاص و بهدف محدد ، و هو تعزيز العلاقات مع قطاعات المجتمع الإسرائيلي المختلفة؛ ففي اجتماعها الأول ، وافقت اللجنة على إرسال رسائل إلى قادة الأحزاب السياسية في إسرائيل ، بما في ذلك الليكود برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو . كما و استهدفت اللجنة أعضاء الكنيست الإسرائيلي ومجموعات مختلفة في إسرائيل بما في ذلك أولئك الذين يمثلون المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفيتي السابق و اليهود الإثيوبيين و اليهود من الدول العربية . حيث تم فتح قنوات الحوار للمناقشات مع مراكز البحوث  وغيرها من المنظمات داخل إسرائيل .

بعد ذلك ، قام رئيس اللجنة ، وهو  محمد المدني ، بتأمين زيارات وفود إسرائيلية لمقر السلطة الفلسطينية في رام الله ، حيث التقوا بالرئيس عباس شخصيا . و قد عقدت اجتماعات من جميع الأنواع في كثير من الأحيان منذ ذلك الحين بين الجانبين بشكل سري و علني .

وأقامت اللجنة علاقات شخصية مع العديد من الإسرائيليين، و شارك الأعضاء في مؤتمرات حول الأمن القومي لإسرائيل ، مثل مؤتمر هرتسليا لمكافحة الإرهاب في سبتمبر 2019 .

و المثير للجدل هو أن كل هذا النشاط الذي تمت المصادقة عليه بالكامل، و الذي يميل إلى حد كبير نحو التطبيع ، كان يحدث في نفس الوقت الذي كانت فيه قيادة السلطة الفلسطينية تقدم دعما قويا للنشطاء المناهضين للتطبيع، و تعاقب الفلسطينيين الذين أدينوا بارتكاب جريمة التطبيع ، في تناقض صارخ و غير مفهوم .

و لكن أثبت الوقت أن الحفاظ على هذا التناقض كان صعبا للغاية بالنسبة للسلطة و القيادة الفلسطينية، و خاصة عندما انتشرت أخبار اللقاءات الإسرائيلية-الفلسطينية المشتركة، حيث اندلعت عاصفة على وسائل التواصل الاجتماعي بقيادة فلسطينيين غاضبين من أنشطة "المدني"، ملقية عليه تهمة الخيانة لتشجيع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي .

و مع تكثيف الانتهاكات الشخصية، شعر المدني المدعوم بقوة من الرئيس عباس، بالفزع إزاء الصمت المشؤوم من قبل القيادة الفلسطينية في رام الله ، ما دفعه لتقديم استقالته احتجاجا على فشل قيادة السلطة الفلسطينية في الدفاع عنه و عن زملائه في الوقت الذي أصبح فيه خائنا بمعنى الكلمة في نظر الشعب الفلسطيني .

و أخيرا قرر عباس معالجة هذه المعضلة رافضا قبول استقالة المدني ، و التقى بأعضاء اللجنة بتاريخ 24 فبراير ، معربا لهم عن دعمه الكامل لعمل اللجنة على الرغم من الصعوبات والمشاكل التي تواجهها، و أقر بأن بعض الفلسطينيين لم يفهموا طبيعة و أهمية عمل اللجنة الفلسطينية للتفاعل مع المجتمع الإسرائيلي ، لكنه شدد على أنه من خلال مقابلته للإسرائيليين لإقناعهم بأن الشعب الفلسطيني شعب يحب الحياة و يريد السلام ، كان يعمل بدوافع وطنية بحتة

إذ قال لهم خلال الاجتماع : " لقد أرسلناكم في مهمة في غاية الأهمية ، و لن نتخلى عنكم " .

باختصار ، ترغب قيادة السلطة الفلسطينية في أن تكون بين البينين ، أي أنها تريد التطبيع و عدم خسارة صورتها كسلطة وطنية تدافع عن حقوق و تطلعات الشعب الفلسطيني .

كما و تدرك القيادة الفلسطينية أنه من المستحيل بمكان تهميش حملة مناهضة التطبيع ، خاصة أنها تزداد قوة يوما بعد يوم بدعم من حركة مقاطعة إسرائيل و فرض العقوبات و سحب الاستثمارات منها ، و المعروفة شعبيا و عالميا باسم "حركة المقاطعة BDS " ، و التي تدعو إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي و مجابهته و إضعاف نظامه الاقتصادي بكافة الوسائل و الأساليب المتاحة . و تقول أن أي مشروع مشترك بين الشعب الفلسطيني و الإسرائيليين لا يستند إلى إطار عمل مقاوم هو مشروع يخدم علاقات التطبيع مع الاحتلال ، و هو مرفوض كليا .

كما أنه يبدو واضحا مما تنشره حركة المقاطعة BDS و نشطائها و مناصريها حول العالم ، أنهم يؤمنون بأن الصراع العربي-الإسرائيلي لم ينتهي و أن دولة إسرائيل هي ظاهرة مؤقتة سيتم الإطاحة بها لا محالة، و أن ذلك ممكن تحقيقه مع إعطاء الوقت و الجهد الكافيين . و أن أي محاولة للمصالحة و التطبيع مع الاحتلال تعتبر تطبيعا غير وطنيا و يقوض الهدف المتمثل في إزالة إسرائيل من الوجود .

و على الرغم من أنها لحقيقة محزنة أن رفض حركة المقاطعة BDS قبول حقيقة أن اسرائيل هي دولة دائمة الوجود في الشرق الأوسط ، من خلال الدفاع عن المقاومة المستمرة و تحويل الرأي العام لرفض أي مصالحة أو علاقات بين الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني ، فهم يدينون بشكل أساسي الأجيال المستقبلية من الجانبين و يقنعونهما بأنهم في حالة صراع دائمة لن تنتهي.

كما أن هناك بصيص أمل في حقيقة أن السلطة الفلسطينية ، بينما تؤيد مناهضة التطبيع من جهة، لا تتخلى عن لجنتها المنخرطة في تعزيز العلاقات مع إسرائيل من ناحية أخرى، و لكن كم من الوقت يمكن أن يصمد على هذا الأسلوب ؟

 

النهضة نيوز - ترجمة خاصة