اعتبر كسر تشفير الشفرة الوراثية البشرية في بداية القرن الجاري انجازاً علمياً وعد بإحداث ثورة في الرعاية الطبية، وعلى الرغم من أنها أدت بالفعل إلى مناهج أكثر استهدافا في الحقل الطبي والوراثي وأنتجت صناعة مربحة لاختبار الحمض النووي، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الجينوم الحيوي البشري ليس الكرة الكريستالية للتنبؤ بالصحة المستقبلية التي يأملها العالم الطبي.
حيث أن الجينات لا تتغير بشكل جذري طوال حياة الشخص، في حين أن ميل الفرد للمرض يتغير باستمرار ويتأثر بشكل يومي بالتفاعلات الخارجية مع مجموعة واسعة من العوامل مثل النظام الغذائي والتمارين الرياضية والتوتر والأدوية.
وعلى الرغم من قدرة الجينات على معرفة ما إذا كان الشخص معرضا للإصابة بمرض معين أم لا، إلا أن البروتينات الحيوية قد تقوم بعمل أفضل بكثير في تقييم ما يحدث في الجسم في أي وقت من حياة الشخص، ومكان وجود الشخص في مراحل تطور المرض.
إن السؤال الذي يطرحه العلماء الآن، لماذا يتم التركيز بشكل كبير للغاية على الجينات وليس على البروتينات ؟، الجواب ببساطة هو التعقيد والحجم.
وللحصول على نظرة شاملة لصحة الشخص، يجب قياس آلاف البروتينات ومستويات تركيزها في وقت واحد، وحتى وقت قريب، لم تكن التكنولوجيا والقوة الحاسوبية لإنجاز هذا العمل الفذ موجودة ومتوفرة، إلا أنها قد أصبحت كذلك الآن.
وأمضت شركة التكنولوجيا الحيوية SomaLogic 20 عاماً في تطوير منصة مسح البروتين التي يمكنها قياس حوالي 5000 بروتين لمؤشرات المرض داخل عينة دم واحدة في نفس الوقت، حيث يستخدم مجسات باحثة عن البروتين، يطلق عليها اسم aptamers ، والتي تم تعديلها للعثور على بروتينات معينة وربطها في العينة، ثم تسليط الضوء على أي أنماط خاصة بمرض معين باستخدام خوارزميات التعلم الآلي المعقدة.
وبدوره يقول الدكتور روي سميث العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة SomaLogic: "إن القدرة على قياس آلاف البروتينات بدقة في وقت واحد، وترجمة تلك الأنماط إلى معلومات صحيحة قابلة للاستخدام هي خطوة كبيرة إلى الأمام في مجال الرعاية الصحية. حيث أنه استنادا إلى نتائج اختبار البروتين، يمكن للأطباء تقييم الحالة الصحية الحالية للمريض وتتبع المسار المرضي، كما أن المعلومات التي يمكن أن تساعد في تحديد العلاجات الوقائية أو الإضافية المطلوبة تعتبر حافزاً واضحاً لدفع المرضى إلى إجراء تغييرات في نمط الحياة والسلوك للوقاية من المرض".
في الوقت الحالي، يوجد عدد من الأطباء في الولايات المتحدة الذين يستخدمون اختبارات البروتين هذه لتقييم مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية واضطراب التمثيل الغذائي.
وفي المستقبل غير البعيد، يوجد هناك احتمال أن تؤدي هذه التكنولوجيا إلى نهج مختلف تماما للرعاية الطبية. حيث تشير دراسة نشرت العام الماضي في مجلة Nature Medicine الطبية، إلى إمكانية إجراء "فحص صحة سائل" ليحل محل العديد من طرق الاختبار الحالية المستخدمة لتقييم الحالة الصحية واكتشاف الأمراض.
حيث يتضمن ذلك الاختبارات التي يتم إجراؤها بانتظام خلال الفحوصات البدنية السنوية والمتابعة، مثل الموجات فوق الصوتية واختبارات الإجهاد عند الاشتباه في مشاكل صحية معينة.
وأظهرت الدراسة أن مقاييس البروتين واسعة النطاق هذه والمأخوذة من عينة دم واحدة لديها القدرة على أن تستخدم يوما ما كمصدر وحيد للمعلومات لتحديد 11 مقياسا مختلفا لصحة المريض.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسة أيضاً إلى أن هذه الطريقة ستكون أفضل طريقة مستقبلية للتنبؤ بالإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وتطور مرض السكري، حيث أنها ستكون أكثر فعالية بكثير من الاختبارات المعملية الشائعة المتاحة حالياً.
النهضة نيوز