قد لا يكون من اللافت الانتباه إلى أن اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي نفذته الولايات المتحدة الأمريكية في ليلة الثالث من يناير الماضي، تم بعد أيام قليلة من مناورة بحرية مشتركة عقدتها كل من الصين و روسيا و إيران.
إذ كان لهذه المناورة، التي عقدت ظاهريا لتدريب قوى البلدان الثلاثة على العمل معا، رسالة أكثر أهمية، وهي اظهار مستوى التعاون الثلاثي بين الدول المشاركة على الساحة الدولية. ورغم هذا المضمون الذي فهمته الولايات المتحدة الأمريكية جيداً، لم يفت المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية التأكيد على أن المناورة لا علاقة لها بالوضع الإقليمي بأي شكل من الأشكال .
اقرأ أيضاً: سفن حربية روسية تصل إيران للمشاركة في مناورة "الحزام الأسود"
وحتى بعد اغتيال سليماني، مارست "بكين" ذات الدور الهادئ، حين قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: " إننا نحث الأطراف المعنية و خاصة الولايات المتحدة ، على التزام الهدوء و ضبط النفس لتجنب المزيد من التصعيد في المنطقة " ، فيما وصفت الصين حادثة الاغتيال بالعمل "غير المقبول" وذلك خلال محادثة بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف بعد يوم من عملية الاغتيال ، قال وزير الخارجية الصيني فيها أن: "بكين ستستمر في لعب دور بناء في المنطقة (..) عملية الاغتيال حدث غير مقبول".
ففي الوقت الذي كان فيه الصينيون حذرين في لغتهم أثناء دعوتهم إلى الهدوء ، استخدم نظرائهم الروس و الإيرانيين كلمات أشد ، و أدانوا و شجبوا الضربة الأمريكية التي أسفرت عن استشهاد أبرز قادة إيران العسكريين .
روي يلينيك هو طالب دكتوراه في جامعة بار إيلان، و باحث دكتوراه في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية ، و باحث عام في معهد الشرق الأوسط ، طرح في مقال نشره صباح اليوم، تساؤلات عن الهدف الصيني من العلاقة مع "إيران"، في ظل سعي "بكين" إلى تقليل حدة الخلافات في الشرق الأوسط، ما يسمح بازدهار الأسواق والعلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة.
ويتطرق " يلينيك" في دراسته إلى الدور الذي لعبته إيران في مبادرة الحزام و الطريق الصينية، وهي خطة عمل اقتصادية وقعها الرئيس الصيني شي جين بينغ، وكان لإيران دور رئيس فيها بحكم موقعها الاستراتيجي؛ الذي يسمح ببناء اتصال مادي بين الصين و دول الشرق الأوسط الأخرى، و من هناك إلى إفريقيا و أوروبا. كما أن هناك عنصر هام آخر و ذو أهمية كبرى للصين ، ألا و هو مضيق هرمز الواقع عند طرف الخليج الفارسي، و الذي ينتقل من خلاله نحو خمس النفط العالمي بشكل يومي .
وبحسب الباحث، فإنه إلى جانب الاعتبارات الاقتصادية، يمكن أن يكون لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط تأثير مباشر على الصين، إذ يمكن لتصعيد الصراع جذب الناشطين من بين أقلية الإيغور المسلمة وتهيئة الأجواء غير المستقرة ليمارسوا أفعالهم المتطرفة، فقد وجد أفراد هذه الأقلية التي تعيش تحت سلطة الحكومة المركزية في الصين، طريقهم إلى جبهات القتال في سوريا وأفغانستان؛ فمشكلة نشطاء الإيغور الذين يقاتلون في الخارج ثم يعودون إلى الصين تهم بكين بعمق ، و ذلك بسبب تجربة القتال التي اكتسبوها و الأيديولوجية التكفيرية التي يتشبعون بها هناك .
ومن وجهة نظر باحث مركز "بيغن" فإن الرد الصيني الهادئ على حدث اغتيال سليماني إلى أن الحديث عن انسحاب أمريكي من الشرق الأوسط، و استبداله بقوات صينية وربما أخرى، سابق لأوانه بدرجة كبيرة . فلا يملك الصينيون حتى الآن القدرة على كبح جماح الطموحات الإيرانية في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر .
و إذا فعلوا ذلك ، فمن المحتمل أن يتصرفوا لمنع التصعيد ، حيث أن الهدوء في مصلحتهم بكافة الأشكال، كما أن الصين ذات النفوذ الكبير على إيران من المحتمل أن تستطيع منعها أو إقناعهم بعدم اتخاذ خطوات خطرة مثل مهاجمة حقول النفط السعودية .
ويورد "كاتب المقال" تفسيراً غريباً على هدوء الرد الصيني، إذ يمكن أن تبقى الصين في الخفاء لأنها تدرك أهمية ذلك الآن، و من مصلحة طهران أن تجذب الانتباه العالمي بشكل عام و الاهتمام الأمريكي بشكل خاص؛ فمن وجهة نظر "بكين"، من الجيد أن يتم تحويل انتباه الولايات المتحدة عن المعركة التجارية مع الصين إلى أي مكان آخر في العالم ، و التي يعتبرها الكثيرون أكبر تهديد للنمو الاقتصادي العالمي و الأمريكي بشكل خاص في عام 2020 .
كاتب المقال : روي يلينيك ، طالب دكتوراه في جامعة بار إيلان ، و باحث دكتوراه في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية ، و باحث عام في معهد الشرق الأوسط .
النهضة نيوز - ترجمة خاصة