في محاولة فهم سيكلوجية الكذب

علوم

أخيراً اقتنع العالم بـ "الكذبة البيضة" .. هل فكرت يوما بالجانب الإيجابي الذي يحمله الكذب؟

26 أيار 2020 14:25

الكذب ليس سلوكا يمكن وصفه بالسوء كما نعتقد فالكذب و الخداع في حقيقة الأمر هو نتاج للتطور البشري و يمنح دماغك تمرينا حقيقا و مهما أيضا والبشر مخلوقات اجتماعية بطبعها و لدينا أدمغة عملاقة و ذ

الكذب ليس سلوكا يمكن وصفه بالسوء كما نعتقد ، فالكذب و الخداع في حقيقة الأمر هو نتاج للتطور البشري ، و يمنح دماغك تمرينا حقيقا و مهما أيضا .

والبشر مخلوقات اجتماعية بطبعها ، و لدينا أدمغة عملاقة و ذات قدرات كبيرة للغاية، تلك الأدمغة تطورت لتصبح كبيرة و معقدة؛ لأننا كنا بحاجة إلى قدرات إضافية لننجح في التواصل مع الآخرين و إبقاء مجموعاتنا و مجتمعاتنا الاجتماعية التي نعيش ضمنها سعيدة و راضية عنا ، و هذا الأمر لديه الكثير من المزايا التي تفيدنا و تفيد غيرنا في حياتنا اليومية .

وإذا كان بإمكانك بناء روابط اجتماعية مع بشر آخرين ، فيمكنك الوصول إلى المزيد من الموارد لأن أصدقائك و عائلتك سيشاركونك الطعام و المأوى الذي يمتلكونه و ستقوم أنت أيضا بفعل الشيء نفسه معهم، و هو ما سيساعدك عند الحاجة إلى تلك الأشياء التي لا تمتلكها . لكن للحفاظ على هذه الروابط الوثيقة في بعض الأحيان تضطر البشر إلى اللجوء إلى الطرق الملتوية كالخداع و الكذب .

فعلى مدار التاريخ البشري ، كانت الميزة الجينية التي تميز البشر هو كونهم كاذبين جيدين و مخادعين مهرة ، لأنهم يستغلون هذه الميزة لدعم الروابط الاجتماعية و الحفاظ عليها ، و بالتالي من المرجح أن يعيش و يقوم بتمرير جيناتهم الوراثية عبر الأجيال لضمان بقاء النوع خلال سلسلة التطور الطويلة .

حيث أن القيام بالتحايل على الحقيقة ، و اللعب على التناقضات و تطويع الحقائق لصالحنا ، و رواية حكاية طويلة مهما كانت تسميتها ، هو أمر يجده معظم أفراد جنسنا البشري أمرا سهلا و مفيدا للغاية في تحقيق رغباتنا و أهدافنا اليومية التي نحتاجها للبقاء .

و على الرغم من أن المجتمع ينبذ الخداع و الكذب بطبيعة الحال ، إلا أن الكذب و الخداع تعتبر مهارات تطورت بالفعل كوسيلة لتحسين مهاراتنا الاجتماعية و تعزيز علاقاتنا مع باقي أفراد مجموعاتنا التي نعيش و نتعامل معها .

 فهل سبق لك أن أخبرت صديقك أنك أحببت العشاء الذي قام بإعداده لك على الرغم من أنه لم يعجبك البتة ؟ ، أو قد قمت بالكذب على والدتك بعد أن كسرت شيئا عن طريق الخطأ في المطبخ ؟ . إن هذه الآليات التطورية للخداع قد بدأت و تطورت كوسيلة دفاعية لحماية سمعتك أو تجنب إزعاج شخص ما و إبقاء علاقتك مع من حولك قائمة .

 بالإضافة إلى ذلك ، فالكذب مهمة إبداعية و صعبة نوعا ما ، فهي في الحقيقة تحتاج إلى عمليات عقلية أصعب بكثير من قول الحقيقة ، لأنها تتطلب منا تذكر الكثير من المعلومات المختلفة للحفاظ على القصة التي نقولها متسقة و مقنعة إلى أقصى درجة ممكنة من الإقناع . لكن الأكثر تعقيدا هو قدرتنا على الكذب على أنفسنا ، و هو مستوى بالغ من الخداع يتطلب الاحتفاظ بقطعتين من المعلومات في رؤوسنا و تجاهل إحداها ، و التي تكون الحقيقة في بعض الأحيان .

و أيا كان السبب الذي يجعلك تكذب ، و على الرغم من تعقيد و صعوبة تكوين كذبة ناجحة ، فهناك ثلاثة أجزاء رئيسية من الدماغ تستخدمها عندما تقوم بالكذب و الخداع ، و هي القشرة الحزامية الأمامية المسؤولة عن مراقبة الأخطاء ، و القشرة الأمامية الجبهية التي تتحكم في السلوك ، و القشرة الجدارية التي تعالج المعلومات الواردة من حواسك الأساسية .

حيث تصبح هذه الأجزاء أكثر نشاطا عند الكذب ، و يمكن رؤيتها باستخدام ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفية ، و هي آلية حديثة أكثر تقدما بكثير من أجهزة كشف الكذب التقليدية .

و مع ذلك ، لم يكن لدينا دائما هذه التكنولوجيا المتقدمة لمساعدتنا في كشف الكذب ، حيث اعتمدت البشرية طوال التاريخ على ملاحظاتنا العينية و مهاراتنا الذاتية للتفريق بين الحقيقة و الخداع . فقد تعلمنا كيفية مراقبة سلوكيات الأشخاص الآخرين بحثا عن علامات على أنهم يمارسون الخداع أو الكذب ، كالاتصال غير العادي بالعين ، و التعرق الكثير و شرح قصة تتضمن تفاصيلا كثيرة للغاية و غير معقولة .

فمع تطور قدرتنا على الكذب ، تطورت قدرتنا على كشف الكذب أيضا . حيث أن هذا الأمر كان مفيدا لنا بشكل فردي كبشر لأننا أصبحنا لا نريد أن نعيش كذبة كاملة و نستمر في الكذب ، و ذلك للاحتفاظ بعلاقاتنا مع الناس المقربين منا و أصدقائنا .

و لكن في بعض الأحيان يتم استخدام الكذب للتلاعب بالآخرين لتحقيق مكاسب شخصية ، مثل خداع الناس للاستيلاء على أموالهم أو النصب عليهم .

و الجدير بالذكر أننا لسنا الأنواع الوحيدة التي طورت مثل هذه التكتيكات الكاذبة و الخادعة ، حيث تم إتقان هذه المهارات في جميع أنحاء العالم الحيواني أيضا ، و لا سيما من خلال القردة و السعادين ، التي تقوم بالصياح لإطلاق انذارات كاذبة لإخافة كبار السن منها للابتعاد عن الطعام . كما وتقوم عثة دبور البولكا دوت بمحاكاة نفس النقرات التي تقوم بها عثة سيكينيا الحساسة ذات المذاق السيئ للحيوانات لإبعاد المفترسات عنها . و طورت هذه الحيوانات و غيرها تلك التكتيكات لحماية نفسها بدلا من تعزيز الروابط الاجتماعية عكس ما قمنا به نحن البشر.

النهضة نيوز - بيروت