مصطفى أديب .. رئيس الحكومة اللبنانية المكلف المعتذر

تقارير وحوارات

المقال الذي اضطر أن ينفيه مصطفى أديب: سيادة السفير ضحية الحريري والمبادرة الفرنسية

فريق التحرير

26 أيلول 2020 21:44



صمت مصطفى أديب منذ أعلن اعتذاره عن تشكيل حكومة الإنقاذ التي جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أقصى الأرض ممهداً لها، لكنه اضطر لكسر جمود الصمت، وخرج مكتبه ببيان نفى فيه المعطيات التي أوردها الصحافي حسين أيوب في مقالٍ نشره مساء اليوم، وكشف فيه فحوى الاجتماع الأخير لأديب مع الخليلين.

بأسطر مقتضبة، أكد بيان "أديب" أن المعلومات التي وردت في المقال: "ليست دقيقة" !

الحقيقة وإننا وفي خضم متابعة المستجدات على الساحة اللبنانية، فاتنا قراءة ما أورده الصحافي حسين أيوب في مقاله الذي حمل عنوان: " الحريري يطيح بسعد وأديب.. هذه وقائع ما قبل الإعتذار!"، ولمّا كان هذا المقال مزعجاً "للرئيس المكلف المعتذر" للحد الذي دفعه للخروج من معتكفه في أول أيام اعتذاره؛ فإنه كان من المثير للفضول لنا أن نبحث عن المقالة "المثيرة للحنق"!

أولى الملاحظات على مقالة الزميل حسين أيوب، هي أنها لم تأتِ بجديد، لكنها كشفت تفاصيل العموميات التي كانت قد تناولتها عدد من الصحف اللبنانية حول شخصية أديب، احدى تلك العموميات، هو ان السفير اللبناني السابق في ألمانيا، ضعيف الشخصية، وضعيف جداً، للحد الذي كان يستمهل الخليلين بين كل جملة أخرى، لمشاورة من كان يسميهم "أصحاب البلد"، بدا أديب في "اللقاء الأخير" غير جدير مطلقاً بهذه المكانة، أوحى رئيس الحكومة المكلف لكافة الجهات التي طاف "محضر الاجتماع" إليهم، إلى أن أنسب ما يمكن أن يفعله بعد تعذر تشكيل حكومة مقيدة بكل "الفيتوهات" التي وضعها سعد الحريري ورؤساء الحكومة السابقين، هو أن يعتذر، ويعتذر فقط.

الزميل حسين أيوب، سلط الضوء على أن انسحاب مصطفى أديب من المشهد، لا يعني أن المبادرة الفرنسية قد انتهت، إذ أن ثمة إدراك من الجميع، أن الفرنسيين لا يمكن أن يرفعوا الراية البيضاء بهذه السرعة، ثمة جملة من المحددات التي تفرضها طبيعة المواجهة الإقليمية مع تركيا، وأيضاً تفرضها حالة التجاذب الدولي القائمة.

لكن ما الذي أزعج مصطفى أديب من مقال حسين أيوب؟

يتضمن مقال أيوب مشهداً حواريا محرجاً جداً، بدا فيه مصطفى أديب، مثل تلميذ هاوٍ في السياسية،

إذ أحرجه الخليلين بجملة من الأسئلة التي غرق في تقديم انطباع عميق في الإجابة عليها.

يقول أيوب:

قال الخليلان للرئيس المكلف: نحن من يسمي الوزراء الثلاثة.

قال لهم أديب في آخر لقاء، لنفترض أننا إتفقنا على إسم وزير المال سواء من بين الأسماء التي أعطاني إياها الفرنسيون (ومعظمها أرسلها “الثنائي” إلى قصر الأليزيه) أو من الأسماء التي يمكن أن تعطوني إياها، هل القاعدة ذاتها تسري على إسمي الوزيرين الشيعيين الثاني والثالث؟

أجابه حسين الخليل: دولة الرئيس، لك حق “الفيتو”.

حدّد لنا الحقائب وعندها سنستمر بتقديم الأسماء بالمواصفات ذاتها، أي غير حزبي وغير سياسي، حتى تقبل بالإسمين المقترحين.

هنا أجاب مصطفى أديب: تعليماتي من الفرنسيين وأصحاب الدولة (رؤساء الحكومات) أن لا أتشاور مع أحد. إذا كرّستُ هذه القاعدة معكم، سأكون مُلزماً بالتشاور مع باقي الكتل.

هذا المقطع من الحوار، الذي وجد فيه الزميل أيوب، أن مصطفى أديب قرر أن يلغي نفسه من المعادلة، أفضى إلى تعويم قناعة لدى جميع الأطراف، وهي أن أديب يمكن أن يكون مدير مكتب ناجح، لكنه أبداً لن يكون صالحاً لشغل منصب رئيس حكومة بلد يعيش أكثر أيام حياته حساسية.

بالإضافة إلى ذلك، يستعرض حسين أيوب مقطعاً من رد أديب على الخليلين خلال الاجتماع: "التعليمات من الفرنسيين وأصحاب الدولة مختلفة، لذلك عليّ أن أراجعهم"

وهنا دخل رئيس الحكومة المكلف في قاعة اختبار افتتحها الخليلان بأسئلتهم، يذكر مقال حسين أيوب الحوار الآتي، ولعل من المنصف القول، أن هذا الحوار فقط، كان كفيلاً أن ينزل مصطفى أديب من سابع سماء، ليحاول نفيه أو نسفه أو التشكيك فيه:

سأل حسين الخليل مصطفى أديب: من هي السلطة السياسية التي ستتخذ القرارات من الآن وحتى تنتهي مهمة حكومة المهمة؟

- مصطفى أديب: طبعاً، الحكومة التي سأشكلها ستكون هي صاحبة القرار السياسي حسب نص الدستور.

- حسين الخليل: لنفترض أن ملف الترسيم البحري قد وضع على جدول أعمال الحكومة، بعد التفاهم مع الأميركيين على الإتفاق ـ الإطار التفاوضي، من سيتخذ القرار بالترسيم؟

- مصطفى أديب: الحكومة طبعاً.

- حسين الخليل: لنفترض أن الأميركيين ضغطوا على الفرنسيين الذين يقفون حتى الآن مشكورين معنا في موضوع اليونيفيل، من سيتخذ القرار بأي تعديل لقواعد الإشتباك في جنوب الليطاني؟

- مصطفى أديب: الحكومة أكيد.

حسين الخليل: ومن سيتخذ القرار في أية مسألة سياسية طارئة تطرح من خارج جدول الأعمال، سواء أتت من رئيس الجمهورية أو من دولتك؟

مصطفى أديب: الحكومة طبعاً.

حسين الخليل: إذاً، حسب أجوبتك، هذه الحكومة يمكن أن تتخذ قرارات سياسية أساسية، فكيف تريد أن تمنعني من تسمية أي وزير فيها وأن أعطيها شيكاً على بياض. للأسف هذه الحكومة كما هي مطروحة ستكون عبارة عن مجلس إدارة، وسيكون رئيس مجلس الإدارة مضطراً لمراجعة أصحاب الدولة عند كل شاردة وواردة بينما المطلوب منا أن نقف متفرجين. لقد رضينا بالهم لكن الهم لا يرضى بنا. ما بيمشي الحال يا دولة الرئيس.

فجأة، يقول علي حسن خليل: جاءني الآن (ليل الجمعة الماضي) أن الرئيس نجيب ميقاتي قال في مقابلة مع محطة “إم تي في” على الهواء مباشرة أن الرئيس المكلف سيعتذر غدا على الأرجح، في ضوء مشاوراته هذه الليلة. فهل هذا صحيح يا دولة الرئيس؟

سارع مصطفى أديب للتعليق: أوف أوف. دولة الرئيس (ميقاتي) قال ذلك.

وهنا، يبدو أن من المنصف القول، إن كل ما ذكره حسين أيوب في مقاله، كانت تقارير أخرى لصحيفة الأخبار المقربة من الثنائي الشيعي قد قامت بتسريبه سابقاً، وحاولت صحف ومواقع مقربة من تيار المستقبل التشكيك فيه، مصطفى أديب كان ضعيفاً جداً، تتحكم في قراره مجموعة من الإرادات، نادي رؤساء الحكومة السابقين، الذي يعيش الرجل تجاذباً داخله، بين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، والمخابرات الفرنسية، والرئاسة الفرنسية، والأهم من كل ذلك، هاجسه الكبير وشعوره الهائل بالنقص وبهول المهمة التي وجد أنه أقل منها بكثير.

ولعل أكثر ما أورده مقال حسين أيوب احراجاً، إنه وحتى عندما قضي الأمر، وقررت الرئاسة الفرنسية أن على مصطفى أديب أن يستقيل، ووصل خبر استقالته إلى جميع الأطراف قبل أن يصل إليه نفسه، ذهب بكتاب الاستقالة إلى بيت الوسط، وهناك، عرضه على الرئيس سعد الحريري، الذي وضع عليه بعض اللمسات !! وأهمها، هي أن مصطفى أديب سقط، لكن المبادرة الفرنسية باقية.

النهضة نيوز - بيروت