أخبار

أردوغان و تحدّي "أرجوكم عاقبوني"

9 كانون الأول 2020 15:48

نظرا لمزيج من الأهداف السياسية المتنوعة والطموحة إلى حد كبير، والتوجهات العثمانية الجديدة و الواضحة، و العديد من الحسابات الخاطئة المدمرة، أصبحت تركيا الدولة الوحيدة في التاريخ الحديث التي تخضع لعقوبات رسمية من قبل روسيا، كما أنها تواجه احتمالية التعرض لعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، و كل ذلك في فترة زمنية قصيرة تقل عن خمس سنوات.

و قد حدث هذا في وقت كان فيه الاقتصاد التركي هشا بسبب الاختلالات الأساسية في ميزان المدفوعات و معدلات الفائدة و التضخم المكون من رقمين، بجانب الارتفاع الهائل في معدلات البطالة، و الخزينة العامة التي تعاني من ضائقة مالية، و التي تفاقمت جميعها بسبب جائحة فيروس كورونا التاجي المستجد بشكل مضاعف. حيث وصل صافي احتياطيات العملات الأجنبية لدى البنك المركزي التركي إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عند 46.5 مليار دولار، بالإضافة إلى خسارة الليرة التركية لما نسبته 30 % من قيمتها على مدار عام 2020 .



بالنسبة للعقوبات الروسية، فقد جاءت العقوبات بداية عام 2016 بعد وقت قصير من إسقاط أنقرة للطائرة المقاتلة الروسية من طراز Su-24 فوق الحدود التركية مع سوريا على أساس الادعاء بأن الطائرات الروسية انتهكت المجال الجوي التركي. وفي غضون ستة أشهر، كلفت العقوبات الروسية الصارمة الاقتصاد التركي خسارة في الصادرات وصلت إلى مليارات الدولارات وانخفاضا بنسبة 90 % في عدد السياح الروس الوافدين إلى البلاد.

وقد وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رفع العقوبات تدريجيا فقط بعد أن اعتذر الرئيس رجب طيب أردوغان له رسميا عن الحادثة في شهر يونيو 2016، أي بعد ستة أشهر من تهديده بأن تركيا ستسقط كل طائرة أجنبية تنتهك المجال الجوي التركي، حيث جاء اعتذار أردوغان أيضا مع تأييد ضمني للنفوذ الروسي في الحرب الأهلية السورية.


و لكن بعد مرور خمس سنوات من إسقاط تركيا للطائرة الروسية، تحدى أردوغان الولايات المتحدة بفرض عقوبات على بلاده، حيث قال أردوغان ردا على حالة عدم اليقين بشأن العقوبات المحتملة التي تدرس واشنطن فرضها على أنقرة ردا على شراء الأخيرة لنظام الدفاع الجوي طويل المدى و المضاد للصواريخ روسي الصنع S-400، و لقيام بنك تركي حكومي بتجاوز العقوبات المفروضة على إيران، : " مهما كانت عقوباتكم ، فلا تتأخروا ".

و الآن، سيكون الاختيار للرئيس الأمريكي المنتخب مؤخرا جو بايدن ، لإلغاء فرض قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال فرض العقوبات (CAATSA) على تركيا أم لا . فعلى الرغم من أن الرئيس ترامب قد أوقف فرض عقوبات على تركيا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن النسخة النهائية من مشروع قانون السياسة الدفاعية السنوي الذي يجب تمريره و الذي تم الكشف عنه بتاريخ 4 ديسمبر ينص على أن الرئيس الأمريكي سيعاقب تركيا على استحواذها على نظام S-400 الروسي ، و قد تمثل العقوبات الأمريكية تهديدا محتملا بخسارة الاقتصاد التركي المتعثر بالفعل لمليارات الدولارات .


و لكن بعد كل ذلك، يتبقى هناك الاتحاد الأوروبي، حيث يتمثل تهديد الاتحاد الأوروبي في فرض العقوبات المطروحة بالفعل على الطاولة ضد تركيا، و بغض النظر عن مدى تأثير تركيا على قادة الاتحاد الأوروبي الذين سيجتمعون في القمة الأوروبية المخطط لعقدها في 10-11 ديسمبر، فإن فرض العقوبات على تركيا سيبقى خيارا مطروحا في المستقبل المنظور، خاصة و أن الأجواء العدائية بين أنقرة و بروكسل و التصعيد المحتمل في مختلف الخلافات ما زال مستعرا و قد يتطور أيضا، مما سيمنع الاتحاد الأوروبي من اسقاط ورقة العقوبات.

فحتى وقت قريب، كانت فجوة الثقافة الديمقراطية الآخذة في الاتساع في تركيا هي التي أوقفت محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المستمرة منذ سنوات. والآن، فإن المشاكل المتراكمة على كاهل الحكومة التركية قد تحولت إلى عجز ديمقراطي واسع، بالإضافة إلى النزاع القبرصي المرتبط بالنزاع على حقوق التنقيب عن النفط والغاز قبالة الجزيرة المقسمة، والصراعات العسكرية والسياسية مع اليونان، و حدوث صراع حضارات صغير بين أنقرة و باريس.

في الآونة الأخيرة، نشأت التوترات بعد فرقاطة ألمانية كانت جزءا من مهمة للاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط وسفينة شحن تركية، حيث أن مهمة الفرقاطة الألمانية كانت تكمن في فرض حظر إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى ليبيا، وقد اعترضت سفينة الشحن التركية و نفذت ما وصفته الحكومة التركية بأنه عملية تفتيش "غير قانونية". وقبل ذلك بوقت قصير، في شهر يونيو تحديدا، قالت فرنسا أن إحدى فرقاطاتها قد تم تحديدها ثلاث مرات بواسطة رادار استهداف تابع للبحرية التركية عندما حاولت الاقتراب من سفينة مدنية تركية يشتبه في تورطها في تهريب أسلحة إلى ليبيا.


بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تتضمن قائمة العقوبات التي يدرس الاتحاد الأوروبي فرضها على تركيا تدابير مصممة للحد من التنقيب التركي عن الهيدروكربونات، وعلى الأرجح في مجالات الشحن والمصارف و الطاقة أيضا. كما أن هناك خيار آخر تدعمه النمسا بشكل خاص، وهو إنهاء خطة لتوسيع الامتيازات التجارية لتركيا مع الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن بعض العقوبات تبدو و أنها حتمية، إلا أن السؤال المطروح هنا هو ما الذي ستستطيع الأسواق التركية تحمله منها؟

كما وأشار تقرير نشر في شهر سبتمبر في صحيفة دي فيلت الألمانية إلى أن المشاكل الاقتصادية لتركيا قد تكون خطأها وحدها، لكنها قد تمتد إلى أوروبا وتصبح مشكلة بالنسبة للغرب أيضا، خاصة إذا ما انهار الاقتصاد التركي بالكامل. حيث يجب أن تخشى المؤسسات المالية الأوروبية من انهيار تركيا، فلا يزال الكثير منهم منخرطا في استثمارات في البلاد بمليارات اليورو، وأنه يوجد لدى الغرب الكثير ليخسره.

و قد قال المقال إن هذا الأمر يجعل فرض العقوبات أكثر صعوبة و يعزز موقف الرئيس أردوغان الاستبدادي، حيث أن هذه هي البنوك الأوروبية التي حتى بعد مرور أربع سنوات من الأزمة التركية المستمرة، لا تزال منخرطة في تركيا باستثمارات تصل قيمتها إلى مليارات اليورو، و سيتعين على المؤسسات المالية الغربية أن تخشى حدوث انخفاض خطير في قيمة العملة التركية إذا ما أرادت البلاد أن تدخل حقا في أزمة واسعة النطاق في ميزان المدفوعات.

ولتجنب السيناريو الكارثي هذا، شن أردوغان هجوما ساحرا جديدا، حيث وعد بإصلاحات ديمقراطية و قضائية و اقتصادية، و قال أن مستقبل تركيا في أوروبا، وهو شعور محير بعض الشيء بالمقارنة مع وصفه السابق لأوروبا بأنها "نادي مسيحي معاد للإسلام، و نازيون و بقايا النازيين و الفاشيين".

الجدير بالذكر أن أردوغان يخشى من العقوبات الغربية لأنها قد تسرع الانهيار الاقتصادي لتركيا، مما قد يؤدي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة قد تؤدي في النهاية إلى إسقاط حكومته. كما أنه لمن المؤكد أن العقوبات والفقر ستقلل من معدلات قبول أردوغان بين الشعب التركي، لكنها قد تمنحه دفعة أيضا. ففي حالة فرض عقوبات من أوروبا و / أو أمريكا، سيعود أردوغان إلى خطابه الشرس المناهض للغرب، وسيستند إلى خطاب مادورو القائل إن " القوى الإمبريالية الأجنبية و الشريرة، الصليبيون المعاصرون، يخططون لكل هذه المحنة ضد تركيا ". حيث يمكن لهذا الخطاب الرخيص أن يوحد المحافظين و القوميين الأتراك خلفه و يزيد من شعبيته ,

من ناحية أخرى، إذا ما اعتقد أردوغان أنه قادر على الإفلات من مواجهته الوحدوية مع الحضارة الغربية و اتباع سياسة أكثر عدوانية دون أي تكلفة، فإنه لن يفوت الفرصة، مما سيعني المزيد من المتاعب لدول الجوار، فالأمر متروك للدول و الأقطاب العالمية الكبرى لإيجاد أفضل طريقة لتعليم المتنمر التركي بعض الأخلاق .

بقلم بوراك بقديل - نقابة الأخبار اليهودية