رغم كل ما تطرق إليه بالاجتماعات الحكومية واجتماعات الترشيد من إمكانية تطبيق رفع الدعم في لبنان أم لا، لم يذكر أحد هذه الاجتماعات من هو المسؤول فعليا في اتخاذ هذا القرار في لبنان، ومن يحق له التحكم بمصير شعب بات همه الوحيد تأمين قوته اليومي والنوم دون التفكير حتى بمآل مستقبله، هو ما يذكرنا بقول الوزير السابق ونائب حاكم مصرف لبنان سابقاً، ناصر السعيدي إنه ليس من صلاحيات مصرف لبنان أن يُقرّر إذا كان سيدعم أم لا.
وأشار ناصر السعيدي في قوله الذي نقلته صحيفة الأخبار اليوم إلى أن سياسة الدعم المتبعة خاطئة، لأن الدعم يجب أن يكون من صلب موازنات الدولة. حالياً، لا يوجد أي شفافية ومساءَلة، وُضعت مثلاً لائحة لتمويل استيراد السلع الأساسية، من دون دراسة. والنسبة الأكبر من الدعم لا تصل إلى الفقراء والمحتاجين، وقسم كبير من السلع المدعومة يهرب إلى الخارج.
ولفت إلى أن النقاش حول رفع الدعم أو ترشيد الدعم،هو تضليل وصرف أنظار السكان لتأمين حاجاتها الأساسية، وصولاً إلى أنّ الدعم غير موجود في الأصل. فما يقوم به مصرف لبنان هو تغطية 85% من كلفة الاستيراد بالسعر الرسمي لصرف الليرة. وفي الـ"1515 ليرة" يكمن صلب الموضوع.
كما كشف أن السنوات التي تلت الحرب، لم تتضمّن وضع استراتيجية حماية أو تحديد أشكال الدعم للسكّان من قبل الحكومات المُعاقبة، بل لجأت إلى تثبيت سعر الصرف على 1515 ليرة لكلّ دولار، وذلك لتحقيق أرباح على حساب الشعب.
كما ونقلت الصحيفة عن وزير المالية السابق جورج قرم قوله بأن حرامية الدولار يزيحون الأعين عنهم بأنّ تثبيت السعر سمح لجزء من السكّان بالسفر وشراء سيارات جديدة وارتياد مطاعم فخمة والتعلّم في مؤسسات خاصة، إلا أنها عملياً كانت خدمةً قدّمها حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة لـ "فئة الـ1%" وكل من يرتبط بها من كبار مودعين وسياسيين وتجار ومصرفيين.
ويعتبر أحد الخبراء الاقتصاديين أنّ "عدم تعديل سعر الصرف الرسمي فيه أذى للسكّان، الذين أصبح مُعظم استهلاكهم بناءً على سعر السوق السوداء، من دون أي تحسين في مستوى معيشتهم"، مُشيراً إلى أنّه "لا معنى لمناقشة مستقبل الدعم من دون دراسة سعر الصرف وكيفية تصحيح الأجور، انطلاقاً من تحديد السياسات الاجتماعية - الاقتصادية الواجب اعتمادها".
وتابعت الصحيفة أن ما لا يجده جورج قرم منطقياً هو أن يكون لبنان خلال الخمسينيات والستينيات في الطليعة باعتماد سعر صرف عائم واقتصاد متين، ثم يختار تثبيت سعر الصرف حين ذهبت الاقتصادات العالمية نحو تحرير السعر، ما أدّى إلى نهب لبنان وشلّ إمكاناته.
واذا أرادت الحكومة توحيد سعر الصرف فبإمكانها تحديد سعرين، واحد للاستيراد والآخر للتداول المحلّي. ولكن ما يقترحه وزير المالية السابق، هو العودة إلى سعر الصرف العائم ضمن هوامش واسعة، ما يسمح للبنان بالتكيّف مع التطورات النقدية العالمية، وبالتقاط المؤشرات على أيّ خلل قد يُصيب السوق.
ويقول أحد المصرفين نقلاً عن مصادر في وزارة المالية إنّه يُبحث رفع استيفاء بعض الرسوم على أساس الـ3900 ليرة، ولكن لا تعديل في سعر الصرف رسمياً. فكما اتُّخذ خيار التثبيت في التسعينيات تنفيذاً لمصلحة الكبار، سيُستمر حالياً العمل به حمايةً لمصالح مصرف لبنان والمصارف التجارية. على الورق، سيبقى السعر الرسمي 1515 ليرة، لأن تغييره يعني إعلان إفلاس جميع المصارف، لأن رساميلها مقوّمة بالليرة.