بدا واضحاً لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة التصعيد مع الصين في شتى المجالات، وتلعب اللوبيات المناهضة للصين في الولايات المتحدة دوراً أساسياً في تأجيج الخلافات وتعمل على تضخيم أي مسألة تضر بالعلاقات بين البلدين.
وكجزء من حملتهم للتحريض على التنافس المكثف مع الحكومة الصينية، يتظاهر مناهضي الصين الأمريكيين بالاهتمام بالحد من التسلح النووي حتى يتمكنوا من الانخراط في التخويف المتهور بشأن التعزيز النووي الصيني الخيالي.
فوفقا لتقديرات الحكومة الأمريكية، تمتلك الصين أقل من 300 سلاح نووي حتى الآن، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأنهم يتطلعون إلى زيادة هذا العدد بشكل كبير، في حين يدعي مناهضو الصين الأمريكيون مثل السناتور الجمهوري توم كوتون أن الصين عازمة على تحقيق التكافؤ النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها تعمل على توسيع ترسانتها النووية بشكل هائل سرا، ولكنه لا يملك أي دليل يدعم اتهاماته الجامحة.
ففي الحقيقة، يأمل هؤلاء المنتقدون في تخويف الشعب الأمريكي بشأن الأسلحة النووية الصينية من أجل حشد الدعم الشعبي لاتخاذ سياسة أكثر عدوانية معادية للصين، ولتبرير النفقات الضخمة غير الضرورية على الأسلحة النووية الجديدة، والتي ستحتاج إدارة بايدن إلى ضبطها والبحث عن طرق لإشراك الصين بشكل بناء في الحد من التسلح لوقف سباق التسلح في المستقبل قبل أن يبدأ.
و كما هو ظاهر بالفعل، فإن المصلحة المتشددة في نوايا الحد من التسلح مع الصين مخادعة كما هو الحال دائما، ففي العام الأخير من رئاسة ترامب، كان المبعوث الأمريكي للحد من التسلح النووي مارشال بيلينجسلي، يصر على إدراج الصين في المناقشات المتعلقة بتمديد معاهدة ستارت الجديدة، و هي معاهدة خفض نشر الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة و روسيا، و التي كان من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في شهر فبراير الماضي، و لكن لم يكن إدراج الصين كجزء من هذه المناقشات منطقيا بسبب الحجم الأصغر للترسانة النووي الصينية، و لأن بكين لم ترغب في أن يكون لها أي دور في تلك المفاوضات بطبيعة الحال أيضا.
بالإضافة إلى ذلك، كان من الواضح للعديد من خبراء الحد من الأسلحة في ذلك الوقت أن الجهود المبذولة لإدراج الصين من قبل الولايات المتحدة كانت وسيلة لتأخير تجديد معاهدة ستارت الجديدة وتقديم عذر لإفشال هذه المعاهدة المهمة، ومن الواضح أن توسلات إدارة ترامب للصين بشأن هذه القضية كانت مدفوعة بنوايا سيئة، وهذه هي الطريقة التي نظرت بها الصين إليها بالفعل، حيث نجت اتفاقية ستارت الجديدة بفضل بايدن، لكن رغبة معارضي الصين في إذكاء الخوف من التعزيزات الصينية النووية المبالغ فيها بشكل كبير لم تختفي حتى الآن.
وقد تحدث السناتور كوتون باسم مناهضي الصين، الذين يطلقون على أنفسهم " صقور الصين " في الكونجرس الأمريكي، عندما طرح فكرة غريبة مفادها أن الصين يمكن أن تتغلب قريبا على القدرات الأمريكية النووية الاستراتيجية.
حيث سأل كوتون الأدميرال فيليب ديفيدسون عما إذا كانت الصين يمكن أن يكون لديها سباق تسلح نووي مفرط مع الولايات المتحدة قبل نهاية العقد الجاري، وقد أجاب ديفيدسون أن هذا قد يحدث حقا، ولكنه يمكن أن يحدث في حال ضاعفت الصين حجم ترسانتها أربع مرات في المستقبل القريب فقط.
ففي الواقع، حتى لو ضاعفت الصين عدد الأسلحة النووية التي تمتلكها أربع مرات، فسيظل لديها عدد أقل بكثير من 1550 رأسا حربيا نوويا تنشرها الولايات المتحدة الأمريكية بموجب قيود معاهدة ستارت الجديدة.
والجدير بالذكر أنه من المشكوك فيه أن الصين ستشرع فجأة في زيادة ضخمة ومكلفة في حجم ترسانتها النووية، فكما أوضح ديفيد لوجان خلال العام الماضي في مقال بارز كشف زيف الأساطير الأمريكية حول الأسلحة النووية الصينية، تفتقر الصين إلى المواد الانشطارية اللازمة لبناء ترسانة نووية أكبر بكثير مما هي عليه الآن.
وعلى الرغم من كل ذلك، لم يمنع الافتقار إلى الأدلة والمواد الانشطارية الأشخاص المنادين لنظرية الحرب الباردة مع الصين من التعامل مع الأمر وكأنه حقيقي، في حين قال هال براندز العام الماضي أنه لن تندلع مثل تلك الحرب الباردة دون تسارع سباق التسلح النووي، فلا يوجد حتى الآن أي سباق تسلح من هذا القبيل، ولكن من الواضح من هذا الخطاب المحموم الذي يقوده صقور الصين يهدف بشدة إلى أن يكون هناك مثل هذا السباق.
كما وأشار خبير الحد من التسلح جيفري لويس أن الترسانة النووية الصينية مقيدة تماما، مضيفا: "يجب أن نسأل عن السبب وراء تقييد برنامج الأسلحة النووية لبكين وكيف نحافظ عليه على هذا النحو، حيث أن تضخيم التهديد من ترسانة الصين النووية أمر مضلل وخطير في نفس الوقت، لأنه قد يؤدي إلى سياسات استفزازية تحول أسطورة الترسانة النووية الصينية إلى حقيقة واقعة".
وإذا ما كانت واشنطن جادة بشأن إشراك الصين في محادثات الاستقرار الاستراتيجي الثنائية، فإنها ستحتاج إلى القيام بشيء يعد لعنة على صقور الصين، وهو تقديم تنازلات بشأن الدفاع الصاروخي الخاص بها، وإذا كانت الولايات المتحدة لا تريد تشجيع الصين على السعي وراء تعزيز ترسانتها النووية، فعليها الامتناع عن نشر وبناء المزيد من أنظمة الدفاع الصاروخي في شرق آسيا أيضا، ونظرا لأن ترسانة الصين صغيرة نسبيا، فمن المحتم أن يروا حتى تلك الدفاعات الصاروخية غير الموثوقة تهديدا محتملا سيدفعهم للرد بلا شك.
كما وأصدر تونغ تشاو، الزميل البارز في مركز كارنيجي تسينغهوا للسياسة العالمية، هذا التحذير في تقرير نشر خلال الصيف الماضي، حيث قال: "إذا تركت هذه القضية دون معالجة، فستستمر في تأجيج قلق الصين بشأن ردعها النووي وتعطيل الاستقرار بشكل خطير للغاية".
وفي حين أنه لا يزال من غير المنطقي إدخال الصين في معاهدة أعمال الحد من التسلح الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد يكون من الممكن التوصل إلى تسوية ما تعالج قضايا خاصة بالعلاقة الأمريكية-الصينية والأمن الإقليمي في شرق آسيا أيضا.
كما أنه سيكون هناك معارضة سياسية شديدة لأي اتفاقية للحد من الأسلحة بين الولايات المتحدة والصين بلا شك، ومن غير المرجح أن تكون هناك ظروف مواتية للمفاوضات في المستقبل القريب، ومع ذلك يجب على الولايات المتحدة بذل جهد جاد للانخراط في هذه القضية لخلق قدر أكبر من الشفافية بينها وبين الحكومة الصينية وتقليل التوترات العامة.
المصدر: معهد كوينسي لفن الإدارة الرشيدة (معهد سياسي أمريكي)