منوعات

المفتاح

20 تشرين الأول 2021 20:35

بدأ حميد يقرأ بعض قصائده التي استوحاها من قصة كان قد سمعها سابقاً في جلسة نسائية في منزل والدته الراحلة. استرجع بعض غُصصه وذكرياته التي تأخذه فيها أطياف أمه إلى ملعب الدار وترابه الذي مازال عالقاً بين أصابع الشاعر وأوراقه البدائية. التفت حميد إلى زوجته، وإذ سرقتها غفوة منذ لحظة الآه الأولى التي أطلقها زوجها في الشطر الأول.

استمر في بوحه ووجده بأعلى صوتٍ كاد أن يلامس نجوم السماء. هنا، تسمّر الزوج الشاعر من سماع صوت زوجته التي استيقظت مذعورة، بلع ريقه عدة مرات، وقال في نفسه ماذا فعلت يا حميد؟

نادته زوجته ونظرت إليه وشعرها مبلل يغطي وجهها وكأنها خرجت للتو من بركة ماء!

قالت بصوت عال الماء الماء. لم يفهم ماذا تريد! هل تريد كأساً من الماء كما جرت العادة عند رؤية كابوس، أم أن هذا "التعرّق" نتيجة غرقها في الحلم؟

وعلى الرغم من صراخها الذي جعل الشاعر ينسى البحور والشواطئ، لم يتفوه بكلمة واحدة.

قالت له اجلس، ثم سردت عليه منامها المرعب.

تمتم الزوج بعض الشيء ممتعضاً وجسده يرتجف وقد انتابته حالة غريبة من أول الشطر إلى آخر القصيد، كما يحدث معه عادة عندما يكتب نصاً شعرياً.

قالت الزوجة لقد حلمت بزوجين مسنين يعرضان علينا رحلة في البحيرة على متن زورقهما البخاري، فتجادلنا أنا وأنت حول من يجلس في المقعد الخلفي الضيق للقارب، ولا أعرف لماذا حصل كل هذا، إنه نذير شؤم!

وأعادت شريط ذكرياتها وتحديداً في بداية زواجهما عندما كانا يتلذذان بالمتع البسيطة المتمثلة في التخييم والجلوس بمفردهما. هنا، انتفضت وتغيرت ملامحها من ضعف استجابة الزوج الشاعر وعدم انفعاله لحديث الزوجة وحلمها اللاوردي.

وحميد يعلم أن زوجته مهووسة بتفسير الأحلام وقراءة الفناجين وملاحقة أخبار العرافات، وهذا ما جعله غير مبال ببعض تصرفاتها أحياناً.

وفي الحقيقة أو نصفها، لقد كانت الزوجة تخاف الوحدة جداً وهي بحاجة إلى ظل تستظل به أو مؤنس لها في وحشة الليل الذي يخيم على أفكارها عادة. قالت لشاعرها حميد الذي خبت أحاسيسه بعد عجزه عن طباعة ديوانه الثالث المطلوب تقديمه في أسرع وقت لاتحاد الكتاب قبل انقضاء مدة التسليم.

اقترب يا حميد، أرجوك دلّك لي قدميّ فأنا أشعر بتعب في الساقين.

نظر إليها حميد وقلّب إيماءات جسدها وتقاطيع وجهها كديوان شعري هارب من رفوف هيئة الكتاب، وقال هل أتعبك الحلم لهذا الدرجة ومازال الليل يفتح أبوابه؟

وقتئذٍ أدرك حميد حفلة النكد اليومية فأخذ نفساً عميقاً وأشار إليها بيده مودعاً في رحلة طويلة إلى الفراش. وما هي إلا لحظات حتى سمعت الزوجة زفرات زوجها وكأنها على البحر الطويل هنا، اشتدت حدة حواسها وصارت تدرب نفسها على بعض تمارين الاسترخاء، علّ وعسى تحظى ببعض الطمأنينة لكي تغفو. لكن النوم أضل طريقه إليها وازداد قلقلها حتى مطلع الفجر.

غسلت الزوجة يديها ووجهها، ودخنت سيجارة مع فنجان قهوتها السادة وشرعت بالبكاء، ثم ذهبت لتتفقد أطفالها، وتتصفح المجلات المختلفة والدموع تسرح في ربوع خدّيها. وعندما أرخت الشمس أشعتها الزاهية على نافذة الغرفة، غازلت ملامح السماء والنسمة العالية الرقة، شعرت وقتئذ أن صوتاً غريباً يناديها، التفتت يمنة ويسرة تبحث كالأطفال الضائعين عن ملجأ حنان. نظرت إلى زوجها النائم، ثم كشفت الغطاء عن وجهه فوجدته يبتسم. ارتبكت للحظات وفكرت. ثم بدأت تفرك يديها وتحكّ جبينها وتدور في الغرفة بحثاً عن تفسير لابتسامة زوجها.

في هذا الوقت المختلط بين يأس ودموع وتحد، تذكرت شيئاً، فركضت مسرعة إلى خزانتها الخاصة، وأخرجت صندوقاً صغيراً كانت قد ورثته عن أمها الراحلة، نفضت عنه الغبار وفتحته، ثم أخرجت منه مفتاحاً قديماً وعادت إلى سرير زوجها، اقتربت منه وهي تسير على رؤوس أصابعها وهي تدرك أنّ المرء يجب أن يواجه الفراغ بمفرده، حتى بوجود شخص آخر بقربه. وهنا كانت اللحظة المدوية، فقد قررت الزوجة فتح باب أحلام الزوج الشاعر عسى أن تجد تفسيراً لابتسامته الدائمة في أثناء النوم.

علاء العطار