"الأخبار": قرداحي قرباناً لنيل رضى طويلي العمر

رأت الصحافية ميسم رزق لدى جريدة "الأخبار"، في مقال بعنوان "توافق سياسي ضمني على التضحية بوزير الإعلام"، أن لبنان لم يكُن بحاجة إلى الأزمة التي افتعلتها السعودية، بذريعة تصريح لوزير الإعلام جورج قرداحي عن الحرب في اليمن، للتأكّد من رسوخ عقليّة التذلّل لدى معظم القوى السياسة، وخصوصاً تجاه الرياض وجاراتها الخليجيات، وسوغت الأمر بأن هذه القوى لم تر منذ بداية "التصعيد الخليجي" حلاً سوى في تقديم قرداحي "قرباناً" لنيل رضى طويلي العمر من آل سعود وأترابهم، عبر إقالته أو دفعه إلى الاستقالة، تارةً بالترغيب وطوراً بالترهيب.

واستغربت من أن يتجه قرداحي إلى تقديم استقالته في مؤتمر صحافي اليوم، بعد شهر من الخطوات التعسفية التصعيدية التي اتخذتها السعودية ومن يدور في فلكها من دول الخليج ضد لبنان، على خلفية تصريحات قرداحي ظاهراً، وتصفية للحسابات مع حزب الله ضمناً، وأيضاً بعد ثبات وزير الإعلام على موقفه الرافض تقديم استقالته من دون ضمانات بأنها ستقود إلى حلّ الأزمة، وعدتها خطوة لافتة تطرح كثيراً من علامات الاستفهام، إذ إن الوزير نفسه أكد، قبل وقت قصير، أنه لن يتراجع عن موقفه لأن الموقف الخليجي غير محصور به.

وأشارت رزق إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يرَ، منذ بداية الأزمة، "بدّاً" من إطاحة وزير في حكومته بأيّ وسيلة، على الرغم من إدراكه أنه لن ينال رضى الرياض بذلك، ومع علمه بأن العدوان السياسي السعودي والخليجي لا يمتّ بصلة لمصطلح "الحرب العبثية" الذي استخدمه قرداحي لوصف الحرب اليمنية، مبينة أن همّ ميقاتي في كل حراكه منذ بداية الأزمة كان "إنقاذ" العلاقة مع السعودية على حساب كرامة حكومته. وفي الأيام الأخيرة، استخدم حبل راعيه الفرنسي لشد الخناق، ونقَل عن الفرنسيين أن رئيسهم إيمانويل ماكرون "بحاجة إلى ورقة حسن نية يقدّمها للسعوديين خلال زيارته للرياض. ولذلك، يجب أن يستقيل قرداحي قبل الزيارة، و(اليوم) الجمعة على أبعد تقدير، وإلا لن يكون الملف اللبناني على جدول الأعمال". وفي الوقت نفسه، كان الفرنسيون يشتغلون على أكثر من خطّ من القوى السياسية ويمارسون ضغوطاً لتقديم تنازلات، وتزامنت هذه الضغوط مع حملة قادها مقرّبون من الوزير السابق سليمان فرنجية لإقناعه بأنه "ليس مضطرّاً لتوتير علاقته مع الفرنسيين والخليجيين بسبب قرداحي".

وأكدت رزق أن هذه الأجواء وصلت إلى وزير الإعلام الذي سمع أيضاً كلاماً منسوباً إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد عودته من زيارته الأخيرة للدوحة، بأنّ "القطريين أكدوا أن لا أحد يستطيع التوسّط لدى الرياض، وهناك خطوات على لبنان أن يقوم بها أولاً".

ولفتت أن قرداحي شعر في هذه اللحظة بأنه صار "شبه وحيد"، فتواصل مع حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي اللذين أكّدا له أن "القرار عندك... إذا قررت الاستقالة نحترم قرارك، وإذا تمسّكت بالرفض فسنكون إلى جانبك". إلا أن قرداحي الذي أكد أنه "لم يحصل على أيّ ضمانات مقابل الاستقالة"، صار يستثقل شعور تحميله مسؤولية "تعطيل الحكومة وتوتير العلاقات مع الدول الخليجية"، ويؤكد أنه "تعِب على الصعيد الشخصي"، بسبب تعرّضه لضغط غير مسبوق وتلقّيه عدداً كبيراً من الاتصالات يومياً من الداخل والخارج، لذا قرر الإقدام على الاستقالة من دون أن "يبيعها لأحد".

واعتبرت الكاتبة أن تقديم "رأس" قرداحي، من دون مقابل مضمون، ساهم فيه أيضاً البطريرك بشارة الراعي ومستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي اللذان تصدّرا صفّ المروّجين، إعلامياً ودبلوماسياً، لفكرة أن الاستقالة ضرورية، وأنها المدخل إلى عودة مجلس الوزراء إلى الاجتماع وفتح طريق الحل أمام الملفات الأخرى.

وختمت رزق مقالها بالقول إن عوامل داخلية وخارجية اجتمعت على إطاحة وزير الإعلام. من جهة، الضغط الفرنسي على القوى السياسية التي وضعت استقالته كشرط للتفاوض مع السعوديين حول الملف اللبناني، والتنافس الداخلي السياسي من جهة أخرى. وأدّت هذه العوامل إلى الذهاب في اتجاه خطوة لا ضمانات بأن يحصل لبنان مقابلها على نزول سعودي عن الشجرة، أو إمكانية فتح باب الحوار لحلّ المشكلة مع الرياض.

جريدة الأخبار