الإلكترونات تسلك سلوك السوائل

علوم

بعد بحث طويل... فيزيائيون يثبتون أن الإلكترونات تتصرف كالسوائل

10 تموز 2022 15:11

شهد الفيزيائيون لأول مرة أمراً مثيراً بشكل لا يصدق، وهو تشكيل الإلكترونات لدوامات كتلك التي نشهدها في السوائل تماماً. والمعروف أن العلماء تنبؤوا بهذا السلوك منذ فترة طويلة، لكنهم لم يروه قبلاً، وقد يكون المفتاح لتطوير إلكترونيات من الجيل التالي ذات كفاءة أكبر وأداء أسرع.

نظريات توقعت تحرك الإلكترونات بدوامات

وقال الفيزيائي ليونيد ليفيتوف من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد الباحثين في الدراسة الجديدة: "دوامات الإلكترونات متوقعة نظرياً، لكن لم يوجد دليل مباشر، لكن رؤيتها خير دليل، إذ رأينا ذلك الآن، وهو دليل واضح على تصرف الإلكترونات كسائل في هذا النظام الجديد، وليس كجسيمات منفردة".

وفي حين أن الإلكترونات التي تتدفق في دوامة قد لا تبدو أمراً جديداً، إلا أنها مهمة جداً لأن التدفق كالسائل يؤدي إلى توصيل مزيد من الطاقة إلى نقطة النهاية، بدل فقدانها في الطريق أثناء تدافع الإلكترونات حول أشياء كالشوائب في المواد أو الاهتزازات في الذرات.

الإلكترونات تتحرك كحركة السوائل

وقال ليفيتوف: "نعلم أنه عندما تتحرك الإلكترونات كحركة السائل، ينخفض تبديد [الطاقة]، وهذا أمر مهم في محاولة تصميم إلكترونيات منخفضة الطاقة. وهذه الرصد الجديد خطوة أخرى في هذا الاتجاه".

بالطبع، نحن نعلم بالفعل أن الإلكترونات قد ترتد عن بعضها بعضاً وتتدفق دون مقاومة في الموصلات الفائقة، ولكن هذا هو نتيجة تكوين شيء يعرف باسم "أزواج كوبر"، وليس مثالاً حقيقياً على تدفق الإلكترونات جُملةً مثل تدفق سائل.

خذ الماء على سبيل المثال، فجزيئات الماء عبارة عن جزيئات منفردة، لكنها تسافر مجتمعة وفقاً لمبادئ ديناميكيات السوائل، حاملة بعضها بعضاً عبر السطح، وتشكل تيارات ودوامات أثناء انتقالها.

ويجب أن يكون التيار الكهربائي قادراً بشكل أساسي على فعل الشيء نفسه، ولكنه يتجاوز عادةً أي سلوك جماعي للإلكترونات بسبب الشوائب والاهتزازات في المعادن العادية وحتى أشباه الموصلات. تؤدي هذه "المشتتات" إلى تطاير الإلكترونات هنا وهناك أثناء انتقالها وتمنعها من إظهار سلوك يشبه سلوك السوائل.

استخدام الغرافين لإثبات تدفق الإلكترونات كالسوائل

وتوقع العلماء منذ فترة طويلة أن هذه التداخلات يجب أن تختفي داخل مواد خاصة عند درجات حرارة قريبة من الصفر لتسمح للإلكترونات بالتحرك مثل السوائل... ولكن المشكلة لم يكن أحد قادراً بالفعل على إثبات ذلك، إلا اليوم.

هناك سمتان أساسيتان للسائل: التدفق الخطي، حيث تتدفق جميع الجسيمات المنفصلة على التوازي بصورة واحدة، وتشكيل الدوامات والدوائر.

لاحظ ليفيتوف وزملاؤه السمة الأولى في جامعة مانشستر في عام 2017 باستخدام طبقة الغرافين، وهي صفيحة تتكون من طبقة واحدة من ذرات الكربون، وباستخدامها بين ليفيتوف وفريقه أن تياراً كهربائياً يمكن أن يتدفق عبر نقطة ضغط كما يتدفق السائل، وليس كما تنسل حبيبات الرمل.

أما السمة الثانية فلم يرها أحد قبلاً، إذ كتب الباحثون: "السمة الأكثر لفتاً للنظر والأكثر انتشاراً في تدفق السوائل المنتظمة، هي تكوين الدوامات والاضطرابات، لكن لم تلحظ بعد في موائع الإلكترون على الرغم من العديد من النظريات التي توقعتها".

ولمعرفة ذلك، أخذ الفريق بلورات نقية منفردة من مادة فائقة النقاء تُعرف باسم ديتلورايد التنغستن، وقطعوا شرائح رقيقة بسمك ذرة واحدة.

ثم حفروا نمطاً في قناة مركزية لها حجرة دائرية على كلا الجانبين، ما خلق "متاهة" ليمر عبرها تيار كهربائي. كما حفروا النمط نفسه على رقائق من الذهب لا تحتوي على الخصائص الفائقة النظافة نفسها مثل ديتلورايد التنغستن، وعملت بالتالي عمل عنصر ضابط.

يوضح المخطط أعلاه من ناحية اليسار كيفية تدفق الإلكترونات في التجربة في رقائق الذهب (Au). وتُظهر الصورة على اليمين محاكاة لكيفية توقع العلماء لسلوك الإلكترونات الشبيه بسلوك السوائل.

وبعد تبريد المادة إلى نحو -269 درجة مئوية شغل الفريق تياراً كهربائياً خلالها وقاسوا التدفق في نقاط محددة في جميع أنحاء المادة، بغية رسم خريطة لكيفية تدفق الإلكترونات.

ولوحظ أن الإلكترونات في رقائق الذهب عبر المتاهة دون تغيير الاتجاه، حتى عندما يمر التيار عبر كل غرفة جانبية قبل أن يعود إلى مجرى التيار الرئيسي.

في المقابل، تتدفق الإلكترونات داخل ديتلورايد التنغستن عبر القناة ثم تدور في كل غرفة جانبية مكونة دوامات، قبل أن تتدفق مرة أخرى إلى القناة الرئيسية - كما تتوقع أن يفعل السائل.

قال ليفيتوف: "لاحظنا تغيراً في اتجاه التدفق في الغرف، حيث عكس التدفق الاتجاه مقارنةً بالاتجاه في الشريط المركزي".

وأضاف: "هذا أمر مذهل للغاية، وهو مماثل لفيزياء السوائل العادية، ولكنه يحدث مع الإلكترونات على مستوى النانو. وهو دليل واضح على وجود الإلكترونات في نظام يشبه نظام السوائل".

يُظهر العمود الموجود على اليسار في الرسم أعلاه كيفية تدفق الإلكترونات عبر ديتلورايد التنغستن مقارنةً بالمحاكاة الهيدروديناميكية في العمود الأيسر.

أول تصور لدوامات الإلكترونات

بالطبع، أجريت التجربة في درجات حرارة شديدة البرودة باستخدام مادة مخصصة لهذا الهدف، إذ لن يحدث هذا في الأدوات المنزلية في المستقبل المنظور. كما كانت هناك أيضاً قيود على حجم الغرف والقناة الوسطى.

لكن هذا "أول تصور مباشر لدوامات في تيار كهربائي" كما يوضح البيان الصحفي. ولا يقتصر هذا التأكيد على أن الإلكترونات قد تتصرف كالسوائل، بل قد يساعد هذا التقدم أيضاً المهندسين على فهم أفضل لكيفية تسخير هذه الإمكانات في أجهزتهم.

nature