جنديان صهيونيان قرب مستوطنة شتولا الحدودية مع لبنان (أ.ف.ب)

أخبار لبنان

خطاب حسن نصر الله يفاجئ تل أبيب ويدفعها إلى الصمت

15 تموز 2022 09:35

وسط تصريحات الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، والتطورات المرتقبة في ملف ترسيم الحدود، يرى محللون أن لبنان يمر بمرحلة مهمة وقد تكون مصيرية، وهي المرة الأولى التي يلوح بها حزب الله بعصا الحرب في حال منع الكيان الصهيوني لبنان من استخراج النفط والغاز من مياهه.

ورأت صحيفة "الأخبار" أن احتمال أن تؤدي تهديدات السيد حسن نصر الله إلى حلّ يساوي احتمال أن تؤدي إلى حرب.. تنتهي بالحلّ نفسه. والأمر المتيقّن الوحيد أننا أمام مرحلة تاريخية ستكون لها تداعياتها الاستراتيجية، وأن حزب الله لا يمزح، وأنه مع حرب أو من دونها، لبنان سيستخرج غازه ونفطه، لأن لا استقرار في المنطقة من دون تحقيق هذا المطلب.

مسألة التنقيب أولاً والترسيم ثانياً

ولفتت الصحيفة في تقريرها أن نصر الله شدد في أكثر من مكان من خطابه على "أننا لا نخوض حرباً نفسية". وأشارت إلى المطلع على تاريخ الحزب يعلم تماماً أنه، في المحطات التي يعتبرها مصيرية ووجودية، يتخلّى عن كل ما له علاقة بالتكتيك والمهادنة وفولكلور الإجماع الوطني المستحيل. آخر هذه المحطات كان في الحرب السورية التي انطبق عليها توصيف الخطر الوجودي. ولذلك، قدّم الحزب آلاف الشهداء، وتخطّى خطوطاً حمراً إقليمية ودولية، ووصل الأمر بنصر الله إلى الإعلان في أحد خطاباته بأن "كل قيادة حزب الله مستعدّة للانتقال إلى سوريا إذا ما لزم الأمر". وعليه، فإن توصيف الحصار الذي تفرضه أمريكا وحلفاؤها على لبنان "خطراً مصيرياً"، يعني بما لا مجال للشك فيه أن حزب الله جادّ حتى ينقطع النفس في ما أعلنه نصر الله، وسيفعل أي شيء وكل ما لا يخطر على بال أحد لدفع هذا الخطر. وهو يعتمد في ذلك قاعدة التزاحم المعروفة في الفقه الشيعي، ومفادها أنه عند التعرّض لخطرين (الحرب والجوع مثلاً) ينبغي العمل على دفع أكثرهما خطورة، وإذا ما كانت الحرب معبراً إلزامياً لدفع الأخطر بينهما، فإنها بذلك تتحوّل إلى مطلب.

كما لم يغلق نصر الله الباب أمام الحلول، ولكن وفق قاعدة ثابتة مفادها حلّ مسألة التنقيب والاستخراج أولاً والترسيم ثانياً (بهذا الترتيب)، وهو إذا ما كان أكّد وقوفه خلف الدولة في مسألة الترسيم، إلا أنه أكّد في الوقت نفسه أنه ليس خلفها في أي خضوع لتسويف العدوّ في ما يتعلق بالتنقيب والاستخراج.

العدو الصهيوني سيخضع عاجلاً أم آجلاً

لفتت الصحيفة إلى أن الصمت الذي ساد الأوساط الصهيونية رسمياً وسياسياً وإعلامياً يعني أمراً واحداً: تل أبيب فوجئت بالسقف العالي لخطاب نصر الله، إذ في مثل هذه الحالات، يلجأ الكيان الإسرائيلي إلى الصمت الرسمي، وتعمل الرقابة العسكرية على منع اجتهادات المعلقين والمراقبين، فيما تنحصر التسريبات الضئيلة بالجهات الدبلوماسية التي تنشط لمعرفة ردود الفعل، وسط أجواء توتر تسود المنطقة كلها، وليس فقط منطقة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة.

وأشارت إلى أن الطرف المعادي قد يكون لديه تقدير خاطئ بأن الوضع الداخلي اللبناني، الاقتصادي والمالي والمعيشي، يقيّد حركة المقاومة. وهو تقدير صحيح لو لم يكن التقدير، في المقابل، أن لبنان ذاهب نحو الأسوأ والأخطر. هنا، تحديداً، على الأمريكي والإسرائيلي إما التفكير بموضوعية والذهاب إلى حلّ يقوم على استعادة الحقوق اللبنانية، أو إخضاع حزب الله لاختبار لن يردّ عليه لمجرّد الرد، وإنما سيعمل من خلاله على إثبات كل عزمه وحزمه ومصداقيته التي راكمها على مدى سنوات، بعدما رفع الأمر إلى مستوى وجودي.

واعتبرت الصحيفة أن الأمين العام لحزب الله كان شديد الوضوح في الإشارة إلى أن "العدو قد يخضع قبل الحرب أو في أولها أو في نصفها أو في آخرها". بمعنى أوضح، لن تكون النتيجة إلا خضوع العدو للحق اللبناني، مع حرب أو من دونها. ومنبع هذه الثقة، على ما يبدو، أمران:

أولهما، الاستناد إلى قدرات خارج توقّعات العدو تماماً. وفي العقل العسكري لحزب الله، مفاجآت الحرب تكون في العادة أكبر مما يُعلن عنه قبلها.

وثانيهما، الظرف الإقليمي والدولي الذي لا يتحمّل حرباً تتحوّل إلى إقليمية وتضع العالم أمام مأزق آخر يُضاف إلى مأزق الحرب التي فرضتها أمريكا والغرب على روسيا.

المرة الأولى منذ عشر سنوات

من جانبها، رأت صحيفة "الشرق الأوسط" أن خطابات قيادي حزب الله لطالما اقتصرت على التهديد بالرد إذا شن الكيان الإسرائيلي حرباً على لبنان، لكنها المرة الأولى، منذ عشر سنوات على الأقل، يعلن فيها الحزب عن استعداده للمبادرة إلى حرب مع الكيان، في "مؤشر بالغ الخطورة" على تغيير في قواعد الاشتباك، واستراتيجية المواجهة المعلن عنها، كما قالت مصادر معارضة للحزب، معتبرة أن الأمر ينطوي على "مصادرة لقرار السلم والحرب بمعزل عن موقف الدولة اللبنانية".

إذ اعتبر نصر الله أن "التهديد بالحرب بل حتى الذهاب إلى الحرب أشرف بكثير" من مسار الانهيار الذي يفاقم معاناة اللبنانيين. وأضاف "رسالة المسيرات هي بداية متواضعة عما يمكن أن نذهب إليه إذا وصلت الأمور إلى الخواتيم السلبية"، وتابع: "إذا توصلتم إلى معادلة أن لبنان ممنوع أن يستنقذ حاله بحقه الطبيعي من الغاز والنفط، فلن يستطيع أحد أن يستخرج غازاً ونفطاً، ولن يستطيع أحد أن يبيع غازاً ونفطاً وأياً تكن العواقب".

وأشارت الصحيفة إلى أن التقديرات تتباين بين من يعتبر أن تهديد نصر الله "مرتبط حصراً بملف ترسيم الحدود اللبنانية"، وبين من اعتبره "متصلاً بالقرار الإيراني والمفاوضات الجارية، وتطورات المنطقة".

وصرح الباحث في ملف الحركات الإسلامية قاسم قصير للصحيفة بأن نصر الله "ذهب إلى التصعيد في الموقف من أجل تعزيز الموقف اللبناني في المفاوضات، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام إمكانية التصعيد الميداني في حال لم يتم التوصل إلى حلول". وأعرب عن اعتقاده بأن التصعيد "ليس له علاقة بالملف النووي، بل هو مرتبط بملف الترسيم حصراً". وأكد قصير، وهو خبير في ملف "حزب الله"، أن الحزب، في خطاب نصر الله الأخير، "بدل استراتيجيته من الدفاع إلى الهجوم".

هل المسيرات رسالة من إيران؟

غير أن هذه القراءة، يعارضها المحلل السياسي اللبناني طوني أبي نجم الذي أكد خلال حديث لـ "الشرق الأوسط" إنه يرى أن "دور نصر الله ووظيفته، أنه ضمن الأذرع الأساسية للحرس الثوري الإيراني"، مضيفاً إن وضعية الحرس في المنطقة اليوم، إضافة إلى زيارات الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إيران، وبالتوازي مع مناورات إسرائيلية على أكثر من صعيد، "كل هذه التطورات دفعت بنصر الله للقول إن لبنان يبقى ساحة".

ويقارن أبي نجم بين ظروف معركة 12 تموز (يوليو) 2006 والظروف اليوم، عاداً أنها "متشابهة". ويوضح: "في عام 2006، بادر الحزب إلى عملية عسكرية من خارج السياق الداخلي والإقليمي، وخلافاً لوعود نصر الله في طاولة الحوار التي كانت معقودة قبل ثلاثة أشهر في البرلمان"، مضيفاً إن الحرب السابقة "جاءت بتوقيت إيراني، حيث طُلِبَ منه تحريك الساحة بموازاة مفاوضات الملف النووي، ونفذ عملية عسكرية جرّت البلاد إلى حرب، وصرفت أنظار العالم عما يجري في مفاوضات الملف النووي".

ويقول أبي نجم إن المعركة السابقة "كانت غطاء لإيران، وعادت عليها بفوائد في مفاوضاتها"، مضيفاً أن الحزب "حول البلد إلى ساحة من ساحات إيران، ولبنان بالنسبة له، غير موجود على الخريطة". وفي معرض ربطه لتصعيد نصر الله، والاجتماعات الإقليمية، لا يستبعد أبي نجم "أن نكون أمام ضربة تستخدم فيها إيران الساحة الأضعف لإيصال رسائلها، حيث يذهبون إلى إشعال المنطقة بعد فشل المحاولات السابقة لخلق مشكل، على خلفية إرسال المسيرات".

الرأي الرسمي بخطاب نصر الله

في أثناء كل ذلك، نقلت أوساط مطّلعة، بحسب جريدة "الأخبار"، عن مرجعيات رسمية ارتياحها إلى ما ورد في الخطاب، واعتبرت أنه وضع نقطة قوة لبنان في تصرف المفاوض اللبناني، بما يضغط على الأمريكيين والإسرائيليين لعدم اللجوء إلى تقطيع الوقت.

التيار الوطني الحر: المقاومة قوتنا

ونقلت الصحيفة عن مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر قولها إن الخطاب "يمكن أن يساعد في التوصل إلى حل لملف الترسيم. إذ إن المطروح على الإسرائيليين أمام شعبهم هو استخراج النفط والغاز وترسيم الحدود وتفادي مشكل في المنطقة". وأكّدت "أننا مع العمل لحل دبلوماسي، ولسنا هواة حرب. وهناك اليوم فرصة حقيقية لإقفال هذا الملف نخشى أن يهدرها الإسرائيلي".

وفي كلمة له سُجّلت قبل خطاب الأمين العام لحزب الله، ونُشرت أمس، شدّد رئيس التيار النائب جبران باسيل في فقرة "دقيقة مع جبران" التي تبثّ عبر "تويتر"، على "أننا نريد حقوقنا، وهي ليست عبارة عن الحدود فقط، وإنّما هي فعلياً الموارد التي تكمن في أسفلها، إذ إنه لا قيمة للثروة النفطية والغازية في حال بقائها مدفونة تحت البحر"، مؤكداً أن "ورقة المقاومة هي عنصر قوة للبنان إذا عرفنا كيفيّة استخدامها بهدف ترسيم الحدود واستخراج الموارد وتحصيل الحقوق".

وقال: "المعادلة واضحة بالأمن على البر، وبالتالي يجب أن تكون مثلها واضحة أيضاً بالغاز في البحر"، مضيفاً: "تتصرف الدولة القوية بالقول: تريدون غازكم؟ نريد غازنا. وهكذا تحفظ الكرامة الوطنية وتكون السيادة".

صحف عربية