قد يكون تعلم التفكير بطريقة علائقية أحد أهم العناصر التي كان العلماء يبحثون عنها

علوم

دراسة تشكك في فعالية تطبيقات تدريب الدماغ وتعطي أفضلية لتدريب التفكير العلائقي

23 تشرين الأول 2022 07:35

ربما سمع معظمنا عن فكرة "تدريب الدماغ"، وهو أداة أو مجموعة من الأدوات تعدنا بأن تجعلنا أذكى، وقد تتمثل ببرنامج على الحاسوب أو على الهاتف الذكي. والفكرة منطقية في ظاهرها. فإذا أردت أن تتعلم العزف على آلة موسيقية، فمن المؤكد أن التدرب على هذه الآلة سيجعلك أفضل في عزفها. ينطبق الأمر نفسه على ركوب الدراجة ولعب الشطرنج والخطابة ومجموعة كبيرة من الأنشطة الأخرى. لكن لماذا لا ينطبق الأمر على قدراتنا الفكرية؟

فشل تطبيقات تدريب الدماغ

لسوء الحظ، فشل تدريب الدماغ حتى الآن في الوفاء بوعوده. وعلى وجود أنواع كثيرة من تدريبات الدماغ، وأظهر العديد منها نتائج واعدة أولية، إلا أن هذه النتائج حتماً تتبع نمطاً مشابهاً: بمرور الوقت، تفشل الوعود الأولية في تكرار النتيجة، وتظهر أحجام تأثيرات منخفضة في دراسات المتابعة، ولم ترقَ عموماً إلى مستوى أعمال الدعاية الأولية التي تلقته. ولا تظهر معظم هذه التدريبات تحسينات قابلة للتكرار إلا في المهارات المحددة التي يتدرب عليها الشخص (على سبيل المثال، قد يؤدي تدريب الذاكرة العاملة إلى تحسين الذاكرة العاملة، ولكن ليس الأداء المعرفي العام). إذن لماذا فشلت تدريبات الدماغ الحالية؟

تخيل أنك لاعب كرة قدم تريد أن تتحسن في تنفيذ ركلات الجزاء. وتجد أنك تسجل نحو 50٪ من ركلات الجزاء، وتخطئ الهدف في 50٪. قد تحاول تحسين أدائك من خلال التدرب على ركل الكرة بقوة أكبر، فتمضي إلى صالة الألعاب الرياضية، وتمرن عضلات ساقيك لساعات كل يوم على مدى أسابيع. ومن ثم تعود إلى ملعب كرة القدم وتجرب تنفيذ ضربة جزاء مجدداً، لكن لا تزال النتيجة نفسها، مع أنك تدربت، والتدريب يجعلك أفضل. فهل هذا يعني أن التدريب غير نافع؟

بالطبع، الإجابة أعلاه واضحة، فالتدريب الذي مارسته بوصفك لاعب كرة قدم لم يكن يستهدف المهارة التي تحتاج إلى التركيز عليها، إذ لم تكن قوة ركلك هي المشكلة في ضربات الجزاء قط، بل كانت الدقة. وعندما تدربت، لم تتدرب على الدقة، لذلك لن تتحسن!

قياساً بذلك، يُحاجُّ العديد من علماء النفس بأن فشل تدريب الدماغ في تحسين الأداء المعرفي العام كان بسبب تركيزه على المهارات الخاطئة. بعبارة أخرى، القدرات التي يُدربونها ليست في صميم إدراكنا بشكل عام، وبالتالي فهي تنتج تحسينات في مجالات محددة فحسب.

تدريب التفكير العلائقي يحسن الأداء المعرفي

إذن، ما هي القدرات القابعة في صميم إدراكنا؟ في الآونة الأخيرة، تجمع العديد من علماء النفس حول فكرة معينة، تمثلت في أن القدرات العلائقية (أي قدرتنا على ربط المفاهيم المختلفة بمرونة وبطرق معقدة) تكمن في صميم العديد من قدراتنا المعرفية. وسواء أكان ذلك في إجراء العمليات الحسابية، أم في تبني منظور معين، أم في الانخراط في التفكير الإبداعي، يظل التفكير العلائقي حاضراً دائماً. ويبدو أن تدريب قدرات الدماغ العلائقية يؤدي أيضاً إلى تحسين الأداء في العديد من هذه الأنشطة.

وأما في سياق معدل الذكاء على وجه الخصوص، أظهرت دراسات كثيرة الآن أن تدريب التفكير العلائقي قد يفضي إلى بعض التحسينات القوية في الأداء المعرفي. ففي إحدى الدراسات البارزة، وجدت د. سارة كاسيدي وزملاؤها زيادة متوسطة في معدل الذكاء بمقدار 23 نقطة لدى 15 طفلاً من أطفال المدارس الابتدائية الذين أكملوا تدريباً لقدرة الدماغ العلائقية على مدى أسابيع. وتكررت هذه الزيادات في معدل الذكاء من خلال التدريب العلائقي في العديد من الدراسات.

وبالمثل، نتج عن تدريب التفكير العلائقي أيضاً آثار مفيدة في أداء الأطفال في المدارس، فبعد عدة أسابيع من التدريب، تحسن أداء الأطفال في كل من اختبارات الرياضيات والاختبارات الشفهية مقارنة بأطفال مجموعة الضبط الذين يتدربون على برمجة الحاسوب. كما بدت هذه التأثيرات قوية جداً في الأبحاث الحديثة قيد المراجعة حالياً، والتي بيّنت أن التدريب العلائقي يحسن الدرجات في اختبارات الذكاء لدى الأطفال حتى عند التحكم في قدراتهم الأساسية ومهارات الانتباه الأساسية.

ولكن من المهم أيضاً أن نتعامل مع هذه النتائج بعناية. إذ يبدو هذا وكأنه قصة مألوفة، فقد وجدت العديد من تدريبات الدماغ الأخرى نتائج واعدة في البداية، لكنها اختفت بعد إجراء بعض التدقيق. في الواقع، تحتوي الدراسات الحالية حالياً بعض نقاط الضعف، بما في ذلك أحجام العينات الصغيرة، وأنها لا تستخدم دائماً شروط تحكم، وعدم الالتزام بأفضل الممارسات من حيث التسجيل المسبق، وما إلى ذلك. وأشار تحليل تلوي حديث لهذه التأثيرات في سياق معدل الذكاء إلى أن التدريب العلائقي يحسن معدل الذكاء، لكن ذلك عرضة حالياً لخطر تحيّز كبير.

وقد يكون التدريب العلائقي التدريب الأفضل للدماغ، لكننا نحتاج إلى دراسات أكثر صرامة للتثبّت من ذلك. لذا يجري الباحثون حالياً دراسات متعددة تبحث في فعالية التدريب العلائقي لدى الأطفال ونتائجهم التعليمية، ولدى اليافعين في قدراتهم المعرفية، ولدى البالغين الذين يشتكون من مشاكل معرفية، ولدى المرضى الذين تعرضوا لإصابة في الدماغ.

وسيحدد الوقت إن كان تدريب التفكير العلائقي التدريب الأفضل للدماغ. على أي حال، من المهم دائماً التأكد من صب التركيز على المهارة التي نحاول تحسينها.

psychologytoday