العوامل النفسية وراء العنف السياسي

العوامل النفسية وراء العنف السياسي: دراسات حديثة تكشف الحقائق العوامل النفسية وراء العنف السياسي: دراسات حديثة تكشف الحقائق

أصبح العنف السياسي مصدر قلق متزايد في المجتمع الحديث، خصوصاً بعد محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب في 13 يوليو 2024، هذا الحادث يثير تساؤلات هامة حول العوامل النفسية التي تدفع الأفراد والجماعات إلى تأييد أو ممارسة مثل هذه الأعمال.

توفر الأبحاث الحديثة رؤى قيمة حول الدوافع والصفات التي تساهم في دعم العنف السياسي، وهنا نستعرض نتائج سبع دراسات حديثة تسلط الضوء على هذه القضية المعقدة.

الشعور بالضحايا يعزز دعم العنف

كشفت سلسلة من الدراسات الحديثة عن ارتباط قوي بين ميل الفرد للشعور بالضحايا، الذي يُعرف بـ"صفة الضحية"، ودعمه للعنف السياسي، فقد نشرت هذه الأبحاث في مجلة علم نفس العنف وأظهرت أن الشعور الشخصي بالضحايا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على المواقف تجاه الأعمال العنيفة السياسية، وتضيف هذه الاستكشافات إلى المعرفة القائمة بأن أولئك الذين يشعرون بشكل مستمر بأنهم ضحايا في حياتهم اليومية يكونون أكثر ميلاً لدعم العنف السياسي، خاصةً عندما يبحثون عن معنى في حياتهم.

أجريت الأبحاث من خلال ثلاث دراسات مختلفة، حيث شملت الدراسة الأولى 393 مشاركاً من منصة Amazon Mechanical Turk ووجدت ارتباطاً كبيراً بين صفة الضحية ودعم العنف السياسي، فقد توسعت الدراسة الثانية لتشمل 1000 مشارك من خلال YouGov وأكدت هذه النتائج بينما فحصت أيضاً ضحية التنافس بين المجموعات، وأظهرت أن صفة الضحية مرتبطة بشكل مباشر بدعم العنف السياسي وبشكل غير مباشر من خلال ضحية التنافس، رغم أنها لم ترتبط بالأعمال السياسية غير العنيفة، واستخدمت الدراسة الثالثة التلاعب التجريبي لإثبات علاقة سببية، حيث أظهرت أن استذكار حالات ضحية التنافس بين المجموعات زاد من دعم العنف السياسي، خاصةً بين أولئك الذين لديهم صفة الضحية عالية.

التحيز الحزبي في تقييم العنف السياسي

نشرت دراسة في أبحاث السياسة الأمريكية وجدت أن التحيز الحزبي يؤثر بشكل كبير على أحكام الناس، مما يدفعهم إلى تفضيل عقوبات أشد للعنف السياسي ضد من يشاركونهم الانتماء السياسي مقارنةً بمنافسيهم السياسيين، وتسلط هذه الأبحاث الضوء على إمكانية تفاقم العنف السياسي وتأثيره على الحكم العام في المناخ السياسي المتزايد الاستقطاب في الولايات المتحدة.

شملت الدراسة 342 طالباً من جامعة كبيرة في الجنوب الغربي، حيث تم تقديم تقرير خيالي عن طالب يرسل تهديدات بالقتل لأستاذ تاريخ بسبب انحياز في التقييم، فقد كان المتغير الرئيسي هو الانتماء السياسي للأستاذ، الذي تم تغييره بشكل عشوائي كديمقراطي أو جمهوري أو غير محدد، وأظهر المشاركون مشاعرهم والعقوبات المفضلة للمرتكب بعد قراءة التقرير، حيث أظهرت النتائج تحيزاً حزبياً كبيراً، حيث فضل المشاركون عقوبات أشد عندما كان الضحية يشاركهم الانتماء السياسي (نفس الحزب) مقارنةً بالضحية الذي ينتمي للحزب المعارض.

العوامل النفسية وراء العنف السياسي: دراسات حديثة تكشف الحقائق

حيازة الأسلحة والعنف السياسي

أبرزت الأبحاث الحديثة أيضًا ارتباطاً مقلقاً بين ملكية الأسلحة ودعم أو الاستعداد للمشاركة في العنف السياسي، ونشرت هذه الدراسة في JAMA Network Open وكشفت أن الأفراد الذين يشترون الأسلحة مؤخراً، يحملونها بشكل متكرر في الأماكن العامة، أو يمتلكون بنادق هجومية، يكونون أكثر ميلاً لدعم أو المشاركة في العنف السياسي مقارنةً بمالكي الأسلحة الآخرين وغير المالكين.

استخدمت الدراسة بيانات من مسح وطني تمثيلي كبير أجراه Ipsos بين مايو ويونيو 2022، وشمل 12,851 مستجيباً، حيث تم تصنيف المستجيبين إلى ثلاث مجموعات: مالكي الأسلحة، غير المالكين الذين لا يمتلكون أسلحة في المنزل، وغير المالكين الذين لديهم أسلحة في منازلهم، وشمل المسح أسئلة حول ملكية الأسلحة، وأنواع الأسلحة المملوكة، وسلوكيات الحمل، والمواقف تجاه استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، فقد أظهرت النتائج أن 38.8% من مالكي الأسلحة يعتقدون أن العنف كان مبرراً عموماً أو دائمًا لتحقيق الأهداف السياسية، مقارنةً بـ 29.8% من غير المالكين، وكان هذا الدعم أعلى بين فئات معينة، مثل الذين يمتلكون بنادق هجومية (42.3%)، والمشترين الجدد للأسلحة (43.9%)، وأولئك الذين يحملون الأسلحة بشكل منتظم في الأماكن العامة (55.9%).

وجدت الدراسة أيضاً أن المشترين الجدد للأسلحة وأولئك الذين يحملون الأسلحة بشكل متكرر كانوا أكثر ميلاً للتعبير عن استعدادهم للمشاركة في أعمال العنف السياسي، بما في ذلك القتل لتحقيق أهداف سياسية، ومن الملاحظ أن 62.5% من الأفراد الذين يحملون الأسلحة دائماً أو بشكل شبه دائم يعتقدون أنهم سيكونون مسلحين في حالة مستقبلية افتراضية يكون فيها العنف السياسي مبرراً، و8.8% منهم يعتقدون أنه من المحتمل جداً أو جداً أن يطلقوا النار على شخص ما، وعلى الرغم من هذه الاتجاهات المقلقة، سلطت الدراسة أيضاً الضوء على أن الأغلبية من مالكي الأسلحة وغير المالكين يرفضون العنف السياسي بشكل عام، مما يشير إلى إمكانية التعاون المشترك لرفض العنف السياسي وردع المحتملين لتنفيذه.

السمات المناهضة للمجتمع والعنف الجماعي

وجدت الأبحاث من بولندا، التي نُشرت في مجلة Personality and Individual Differences، ارتباطاً بين الميل للسمات المناهضة للمجتمع ودعم العنف الجماعي، وتشير الدراسة إلى أن الأفراد الذين يظهرون سمات مثل نقص التعاطف والقسوة وضعف التحكم في الدوافع هم أكثر ميلاً لدعم أو المشاركة في التطرف السياسي والأعمال العنيفة.

شملت الدراسة 877 مشاركاً من جامعات وكليات مختلفة في بولندا، الذين أكملوا مقياس الشخصية الثلاثية الذي يقيم سمات الجرأة والقسوة وفقدان السيطرة، وأبلغ المشاركون أيضاً عن آرائهم حول المشاركة في أعمال جماعية غير عنيفة وعنيفة من أجل بلدهم ولصالح الجماعات اليمينية واليسارية، حيث وجد الباحثون أن سمات مثل القسوة وفقدان السيطرة ترتبط بدعم الأعمال العنيفة، خاصة بين أولئك الذين يحددون أنفسهم بقوة مع المجموعة.

الجمهوريون من حركة "ماغا" ودعم العنف

وجدت دراسة حديثة نُشرت في PLOS One أن فئة معينة من الجمهوريين المؤيدين لترامب، والمعروفة باسم "جمهوريي ماغا"، هم أكثر ميلاً من الفئات الأخرى لدعم العنف السياسي، حيث تشكل هذه الفئة حوالي 15% من البالغين في الولايات المتحدة وتحتفظ بمعتقدات مميزة حول العرق والديمقراطية تختلف بشكل كبير عن فصائل الجمهوريين الأخرى وغير الجمهوريين.

استندت الدراسة إلى مسح أجرته Ipsos بين 13 مايو و2 يونيو 2022، وشملت 8,620 مشاركاً من مجموعة تمثيلية وطنية، وشمل المسح أسئلة حول الديمقراطية، المجتمع الأمريكي، العرق والإثنية، والمواقف تجاه العنف السياسي وغير السياسي، حيث وجدت الدراسة أن جمهوريي ماغا كانوا أكثر ميلاً لرؤية تهديد خطير للديمقراطية الأمريكية، ودعم قيادة قوية على حساب الديمقراطية، وتأييد وجود مواطنين مسلحين يحرسون مراكز الاقتراع، وكما أظهروا إيماناً أعلى بنظرية "الاستبدال العظيم" ونظريات المؤامرة المتعلقة بـQAnon مقارنةً بالفصائل الجمهورية الأخرى وغير الجمهوريين.

الحرمان والثالوث المظلم

كشفت الأبحاث التي نُشرت في مجلة العلوم السلوكية للإرهاب والعدوان السياسي أن الأفراد الذين يشعرون بالحرمان ويظهرون سمات شخصية معادية للمجتمع، المعروفة باسم الثالوث المظلم (المكيافيلية، السيكوباتية، والنرجسية)، هم أكثر دعماً للعنف السياسي، ففي دراستين، استكشف الباحثون كيف تساهم التصورات الذاتية للعدم والميل للسمات المظلمة في التطرف السياسي.

في الدراسة الأولى، تم تقييم 279 طالباً من جامعة كرواتية، ووجدت النتائج أن الذين يشعرون بارتفاع في مستوى الحرمان ولديهم سمات الثالوث المظلم كانوا أكثر دعماً لاستخدام التهديدات والتخريب والقوة البدنية والأسلحة النارية ضد السياسيين، ولتعزيز هذه النتائج، أجريت دراسة ثانية شملت 461 مشاركاً من عموم سكان كرواتيا، وأكدت النتائج الأولية، حيث أظهرت الدراستان أن الأفراد الذين لديهم هذه السمات والتصورات كانوا أكثر ميلاً لدعم الأعمال العنيفة ضد السلوكيات السياسية غير الأخلاقية.

تظهر هذه الأبحاث أن التصورات السياقية (الحرمان الجماعي) والميول الشخصية (سمات الثالوث المظلم) تلعب أدوارًا مهمة في التطرف السياسي.

نُشرت نتائج هذه الأبحاث في مجلات علمية مرموقة، مما يعزز الفهم العلمي للعوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر على دعم وممارسة العنف السياسي.