تؤثر الحرارة الشديدة على أجسامنا بشكل ملحوظ، مما يسبب لنا الشعور بالإرهاق والانزعاج بعد يوم حار طويل، لكن الأبحاث الحديثة تكشف عن تأثيرات أكثر خطورة، حيث يمكن أن تؤدي فترات التعرض الطويلة للحرارة إلى تسريع عملية الشيخوخة ، هذا الضغط البيئي المتراكم يؤثر على الجينات البشرية ويغير الطريقة التي يتم بها تشغيل أو إيقاف بعض الجينات داخل خلايا الجسم، وهو ما يعرف بالإيبيجينetics.
كيف تؤثر الحرارة الشديدة على الشيخوخة؟
الشيخوخة عملية طبيعية، ولكن سرعة حدوثها تختلف من شخص لآخر، خلال الحياة يتعرض الجسم لضغوطات وأحداث تؤثر عليه، مثل قلة النوم لفترة طويلة، مما يسرع من عملية الشيخوخة، وبالرغم من أن الحرارة قد تسبب أمراضا خطيرة أو حتى الوفاة في الحالات القصوى، إلا أن تأثيرها يمتد بشكل غير مرئي على المدى الطويل، تتسبب الحرارة الشديدة في ضغط على الجسم، مما يقلل من كفاءته في أداء وظائفه الأساسية، مما يسرع عملية الشيخوخة البيولوجية.
كيف تؤثر الحرارة على جيناتنا؟
التغيرات في التعبير الجيني هي ما يحدث عندما تتعرض خلايانا لضغوط بيئية مثل الحرارة الشديدة، في حين أن الحمض النووي يبقى ثابتا، فإن الخلايا قد تقوم بتشغيل أو إيقاف بعض الجينات استجابة لهذه الضغوط، العملية التي تحدث هنا تعرف بالإيبيجينetics، وأحد أبرز أنواعها هو الميثلة الدينية (DNA methylation)، حيث يمكن أن يتغير نمط الميثلة في الخلايا نتيجة للتعرض للحرارة، مما يؤثر على إنتاج البروتينات داخل الجسم وبالتالي يؤثر على صحة الفرد.
نتائج الدراسة الجديدة: الحرارة الشديدة تسرع الشيخوخة
دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية شملت حوالي 3700 شخص بمتوسط عمر 68 عاما. أظهرت الدراسة أن التعرض لفترات طويلة من الحرارة الشديدة يزيد من عمر الإنسان البيولوجي، الأشخاص الذين تعرضوا لحرارة شديدة لفترات أطول أظهرت أجسامهم تسارعا في عملية الشيخوخة بمعدل يزيد عن عامين مقارنة بمن لم يتعرضوا لهذه الحرارة، كما أظهرت الدراسة أن الأشخاص الأكبر سنا أكثر عرضة لهذا التأثير بسبب انخفاض قدرتهم على تنظيم درجة حرارة الجسم.
منهجية الدراسة ونتائجها
استخدم الباحثون فحوصات دم لقياس التغيرات الإيبيجينية على الآلاف من المواقع الجينية في الجسم، مما سمح لهم بحساب "ساعات بيولوجية" لقياس تقدم العمر البيولوجي، أظهرت النتائج أن التعرض لفترات طويلة من الحرارة الشديدة خلال الفترة بين 2010 و2016 أدى إلى تسارع في الشيخوخة البيولوجية بنحو 2.48 سنة، وهذا يعني أن الشخص الذي تعرض لهذه الحرارة قد تقدم في العمر البيولوجي أكثر من المعتاد بما يعادل 2.48 سنة خلال ست سنوات فقط.
الحاجة إلى المزيد من الأبحاث
رغم أن هذه الدراسة تقدم رؤى جديدة حول تأثير الحرارة على الشيخوخة، إلا أن هناك حاجة ماسة للمزيد من الأبحاث لفهم كيفية تأثير الحرارة على الإيبيجينetics البشرية بشكل أكثر دقة، كما أن هذه النتائج لا تأخذ في الاعتبار تأثير العوامل البيئية الأخرى مثل وجود مكيفات الهواء في المنازل أو وقت التعرض للحرارة في الأماكن الخارجية.
مع التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، من المتوقع أن يتعرض البشر لدرجات حرارة شديدة بشكل متزايد، مما قد يسرع من عملية الشيخوخة. علينا أن نستعد لهذا التحدي ونبحث في سبل التكيف مع هذه التغيرات البيئية الجديدة.