على مدار العقدين الماضيين ركز الباحثون على تطوير مستشعرات حيوية تقيس التفاعلات الكيميائية أو البيولوجية داخل الجسم وترسل إشارات يمكن قراءتها خارجيا، ورغم أن هذه المستشعرات أصبحت قادرة على رصد جزيئات صغيرة مثل الأدوية في الوقت الفعلي، إلا أن عملها يظل محدودا بفترات قصيرة، وحتى الآن لا يوجد مستشعر موثوق يمكنه مراقبة مواد متعددة داخل الجسم لفترات طويلة.
مستشعر حيوي يحاكي الزغابات المعوية
استلهم باحثون من جامعة ستانفورد فكرة تصميم مستشعر حيوي اصطناعي قابل للتعديل من آلية دفاع الأمعاء الطبيعية، وأطلقوا عليه اسم نظام SENSBIT (مستشعر نانوي كهروكيميائي مستقر لتتبع الدم داخل الجسم)، وعند زرعه في أوعية دموية لفئران حية ظل النظام يعمل بكفاءة لمدة تصل إلى أسبوع، حيث تمكن من تتبع تركيزات الأدوية بدقة في نماذج الفئران وفي مصل الدم البشري.
وقال توم سو أستاذ الهندسة الكهربائية والهندسة الحيوية والأشعة في جامعة ستانفورد: "إن هذا العمل بدأ منذ أكثر من 12 عاما، وقد حققنا تقدما كبيرا في هذه التكنولوجيا، فالتحسن الذي وصلنا إليه يمثل قفزة هائلة نحو الجيل التالي من المستشعرات الحيوية."
ونشر الفريق نتائج بحثه في مجلة Nature Biomedical Engineering تحت عنوان: "مستشعر كيميائي حيوي مستقر لفترات طويلة داخل الجسم"، مشيرين إلى أن التصميم الجديد سيوفر أساسا عاما لمستشعرات قادرة على العمل داخل الجسم لفترات ممتدة.
كيف يحمي المستشعر الحيوي نفسه من التداخلات البيولوجية
تعد اختبارات الدم حجر الزاوية في الرعاية الصحية، لكنها تعطي قياسات لحظية في وقت محدد، وأوضح الباحثون أن المستشعرات القابلة للارتداء أو المزروعة قد تحدث ثورة في هذا المجال، لكن التحديات كانت كبيرة مثل تدهور المستشعرات بسبب الاستجابة المناعية للجسم أو تراكم البروتينات عليها.
لحل هذه المشكلة، صمم الفريق مستشعرا يحاكي آلية دفاع الأمعاء الطبيعية، فمستشعر SENSBIT يحتوي على سطح نانوي ذهبي ثلاثي الأبعاد يشبه الزغابات المعوية، مما يحمي المكونات الحساسة من التداخلات البيولوجية، بالإضافة إلى ذلك تم تغليفه بطبقة من البوليمرات تحاكي الغشاء المخاطي المعوي مما يقلل من التدهور والتداخل.
المستشعر الحيوي SENSBIT نافذة جديدة على الرعاية الصحية
وأظهرت الاختبارات أن SENSBIT احتفظ بأكثر من 70% من إشارته بعد شهر في مصل الدم البشري، وأكثر من 60% بعد أسبوع من زرعه في الفئران، بينما كانت أقصى مدة عمل للمستشعرات السابقة في الدم 11 ساعة فقط، وأكد الباحثون أن هذه المدة تتجاوز المتطلبات السريرية لأجهزة الحقن الوريدي، مما يجعله مناسبا للتطبيقات الطبية طويلة الأمد.
كما يمكن أن تمهد هذه التكنولوجيا الطريق لمراقبة جزيئية مستمرة، مما يتيح الكشف المبكر عن الأمراض وتخصيص العلاج في الوقت الفعلي، حيث قال ييهانغ تشين المؤلف الأول للدراسة: أعتقد أن عملنا يساهم في وضع أساس لمستقبل الطب الدقيق، وأنا متحمس لدفع هذه الحدود إلى الأمام.
ورغم التحديات المتبقية مثل تحسين دقة المستشعر لفترات أطول، فإن SENSBIT يقدم حلا واعدا لأجهزة الاستشعار القابلة للزرع التي قد تحدث تحولا في الرعاية الصحية والطب الشخصي.