تعيش أنواع فريدة من الحبار مثل Euprymna scolopes في المياه المحيطة بجزر هاواي، حيث طورت هذه الكائنات البحرية الصغيرة (بحجم الجوزة) نظام تمويه متطور يحير العلماء، فخلال ساعات النهار تدفن هذه الكائنات نفسها في الرمال للاختفاء عن الأنظار، أما عندما تخرج ليلا للبحث عن الطعام، فإنها تستخدم خدعة بصرية مذهلة حيث تضيء الجزء السفلي من جسمها لإلغاء ظلها تحت ضوء القمر، مما يجعلها شبه مخفية تماما أمام الحيوانات المفترسة مثل أسماك السحلية والفقمات.
اكتشاف سر التمويه المذهل عند الحبار
في مطلع التسعينيات قامت عالمة الفسيولوجيا الحيوية مارغريت مكفول-نجاي من جامعة جنوب كاليفورنيا وفريقها البحثي باكتشاف مذهل، فقد لاحظوا أن هذا النوع من الحبار يعيش في علاقة تكافلية فريدة مع نوع خاص من البكتيريا المضيئة التي تستوطن عضوا عاكسا متخصصا في رأس الحبار، إن هذا العضو يعمل مثل مرآة عالية الدقة، حيث يعكس الضوء بطريقة محكمة تحجب رؤية الحبار من الأسفل.
وبعد أكثر من عقد من الأبحاث المكثفة، تمكن الفريق العلمي من تحديد العائلة البروتينية المسؤولة عن هذه الظاهرة الفريدة، وأطلقوا عليها اسم "الريفليكتين"، وتتميز هذه البروتينات بتركيبة كيميائية غير اعتيادية، حيث تحتوي على نسبة عالية من الأحماض الأمينية النادرة مثل التيروزين والتريبتوفان، بينما تخلو تماما من أحماض أمينية شائعة أخرى، هذه التركيبة الفريدة هي ما يمنحها تلك القدرة الخارقة على عكس الضوء.
الحبار يكشف عن تطبيقات ثورية في التخفي الحيوي
الحبار يكشف عن تطبيقات ثورية في التخفي الحيوي
إن الخصائص الفريدة لبروتينات الريفليكتين أثارت اهتماما كبيرا في الأوساط العلمية والهندسية وخاصة في المجالات العسكرية، فقد أظهرت الأبحاث أن هذه البروتينات تمتلك عدة خصائص استثنائية:
1. مؤشر انكسار فائق فتبلغ قيمة مؤشر الانكسار في هذه البروتينات أكثر من 0.2، بينما لا يتجاوز 0.19 في البروتينات الأخرى ذات الوظائف المماثلة مثل الكريستالين في عدسة العين.
2. قابلية التعديل الديناميكية فهذه البروتينات تتميز بمرونة هيكلية تسمح بتغيير شكلها استجابة لعوامل خارجية مثل تغيرات درجة الحموضة، مما يمكنها من ضبط خصائصها العاكسة حسب الحاجة.
3. تطبيقات عسكرية واعدة فقد نجح فريق البحث بقيادة ألون جوروديتسكي من جامعة كاليفورنيا في إنتاج خلايا بشرية معدلة وراثيا قادرة على إنتاج هذه البروتينات، فإن هذا الإنجاز يفتح الباب أمام تطوير أغشية ومواد تغطية قادرة على إخفاء الأجسام من كاميرات الأشعة تحت الحمراء، وهو ما يثير اهتماماً كبيراً في الأوساط العسكرية.
يشير الخبراء إلى أن هذا الاكتشاف يمثل نقطة تحول في مجال البصريات الحيوية وهندسة المواد، فبفضل الأبحاث الأساسية التي قادت إلى كشف أسرار هذه البروتينات، أصبحت التطبيقات العملية في مجالات الطب والهندسة والدفاع أقرب إلى الواقع مما كنا نتخيل.