لطالما اعتقد العلماء أن الدماغ البشري يتوقف عن إنتاج الخلايا العصبية الجديدة بعد مرحلة الطفولة، مما رسم صورة للدماغ البالغ على أنه عضو ثابت غير قادر على التجدد، ولكن دراسة جديدة رائدة من معهد كارولينسكا في السويد قلبت هذه الفرضية رأسا على عقب، مؤكدة أن الدماغ البشري يواصل تكوين الخلايا العصبية حتى في سن متقدمة.
تتبع الخلايا العصبية في منطقة الحُصين
ركّز فريق البحث بقيادة البروفيسور يوناس فريسِن (Jonas Frisén) على منطقة الحُصين (Hippocampus)، وهي الجزء المسؤول عن الذاكرة والتعلم وتنظيم المشاعر، استخدم الفريق تقنيات متقدمة مثل تسلسل الحمض النووي الريبي لنوى الخلايا (single-nucleus RNA sequencing) لرسم خريطة نشاط الجينات داخل نوى خلايا الدماغ، إضافة إلى التحليل الخلوي عبر التدفق الخلوي (flow cytometry) وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحديد مراحل تطور الخلايا العصبية.
إثبات وجود خلايا جذعية عصبية نشطة
أظهرت الدراسة أن الخلايا الجذعية العصبية – وهي الخلايا الأولية التي تتحول لاحقا إلى خلايا عصبية مكتملة – لا تزال موجودة وتنقسم بنشاط داخل الدماغ البشري البالغ. وتم التحقق من مواقع تكون هذه الخلايا باستخدام تقنيات تصوير جزيئية متطورة مثل RNAscope وXenium، والتي أكدت حدوث هذه العملية في منطقة تُعرف باسم التلفيف المسنن (Dentate Gyrus)، وهي جزء من الحُصين مرتبط بالمرونة الإدراكية وتشكيل الذكريات الجديدة.
واحدة من النتائج اللافتة في الدراسة هي التباين بين الأفراد: فبينما امتلك بعض المشاركين أعدادا كبيرة من الخلايا الجذعية العصبية، كان لدى آخرين عدد أقل بكثير. يفتح هذا باب التساؤلات حول العوامل الوراثية أو البيئية التي قد تؤثر في عملية تكوّن الخلايا العصبية لدى البالغين.
آفاق علاجية واعدة
تُعد هذه النتائج خطوة مهمة نحو تطوير علاجات تجديدية تستهدف تنشيط تكوّن الخلايا العصبية لعلاج الأمراض العصبية مثل الزهايمر، والاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والفصام، حيث ترتبط هذه الحالات غالبا بتراجع تجديد الخلايا العصبية.
قال البروفيسور فريسِن: "لقد قدمنا قطعة مهمة من الأحجية لفهم كيفية عمل الدماغ البشري وتغيره عبر مراحل الحياة، كما أن بحثنا يحمل إمكانات هائلة لتطوير علاجات مستقبلية تعتمد على تحفيز تكوّن الخلايا العصبية."