أخيراً اقتنع العالم بـ "الكذبة البيضة" .. هل فكرت يوما بالجانب الإيجابي الذي يحمله الكذب؟

في محاولة فهم سيكلوجية الكذب في محاولة فهم سيكلوجية الكذب
الكذب ليس سلوكا يمكن وصفه بالسوء كما نعتقد فالكذب و الخداع في حقيقة الأمر هو نتاج للتطور البشري و يمنح دماغك تمرينا حقيقا و مهما أيضا والبشر مخلوقات اجتماعية بطبعها و لدينا أدمغة عملاقة و ذ

الكذب ليس سلوكا يمكن وصفه بالسوء كما نعتقد ، فالكذب و الخداع في حقيقة الأمر هو نتاج للتطور البشري ، و يمنح دماغك تمرينا حقيقا و مهما أيضا .

والبشر مخلوقات اجتماعية بطبعها ، و لدينا أدمغة عملاقة و ذات قدرات كبيرة للغاية، تلك الأدمغة تطورت لتصبح كبيرة و معقدة؛ لأننا كنا بحاجة إلى قدرات إضافية لننجح في التواصل مع الآخرين و إبقاء مجموعاتنا و مجتمعاتنا الاجتماعية التي نعيش ضمنها سعيدة و راضية عنا ، و هذا الأمر لديه الكثير من المزايا التي تفيدنا و تفيد غيرنا في حياتنا اليومية .

وإذا كان بإمكانك بناء روابط اجتماعية مع بشر آخرين ، فيمكنك الوصول إلى المزيد من الموارد لأن أصدقائك و عائلتك سيشاركونك الطعام و المأوى الذي يمتلكونه و ستقوم أنت أيضا بفعل الشيء نفسه معهم، و هو ما سيساعدك عند الحاجة إلى تلك الأشياء التي لا تمتلكها . لكن للحفاظ على هذه الروابط الوثيقة في بعض الأحيان تضطر البشر إلى اللجوء إلى الطرق الملتوية كالخداع و الكذب .

فعلى مدار التاريخ البشري ، كانت الميزة الجينية التي تميز البشر هو كونهم كاذبين جيدين و مخادعين مهرة ، لأنهم يستغلون هذه الميزة لدعم الروابط الاجتماعية و الحفاظ عليها ، و بالتالي من المرجح أن يعيش و يقوم بتمرير جيناتهم الوراثية عبر الأجيال لضمان بقاء النوع خلال سلسلة التطور الطويلة .

حيث أن القيام بالتحايل على الحقيقة ، و اللعب على التناقضات و تطويع الحقائق لصالحنا ، و رواية حكاية طويلة مهما كانت تسميتها ، هو أمر يجده معظم أفراد جنسنا البشري أمرا سهلا و مفيدا للغاية في تحقيق رغباتنا و أهدافنا اليومية التي نحتاجها للبقاء .

و على الرغم من أن المجتمع ينبذ الخداع و الكذب بطبيعة الحال ، إلا أن الكذب و الخداع تعتبر مهارات تطورت بالفعل كوسيلة لتحسين مهاراتنا الاجتماعية و تعزيز علاقاتنا مع باقي أفراد مجموعاتنا التي نعيش و نتعامل معها .

 فهل سبق لك أن أخبرت صديقك أنك أحببت العشاء الذي قام بإعداده لك على الرغم من أنه لم يعجبك البتة ؟ ، أو قد قمت بالكذب على والدتك بعد أن كسرت شيئا عن طريق الخطأ في المطبخ ؟ . إن هذه الآليات التطورية للخداع قد بدأت و تطورت كوسيلة دفاعية لحماية سمعتك أو تجنب إزعاج شخص ما و إبقاء علاقتك مع من حولك قائمة .

 بالإضافة إلى ذلك ، فالكذب مهمة إبداعية و صعبة نوعا ما ، فهي في الحقيقة تحتاج إلى عمليات عقلية أصعب بكثير من قول الحقيقة ، لأنها تتطلب منا تذكر الكثير من المعلومات المختلفة للحفاظ على القصة التي نقولها متسقة و مقنعة إلى أقصى درجة ممكنة من الإقناع . لكن الأكثر تعقيدا هو قدرتنا على الكذب على أنفسنا ، و هو مستوى بالغ من الخداع يتطلب الاحتفاظ بقطعتين من المعلومات في رؤوسنا و تجاهل إحداها ، و التي تكون الحقيقة في بعض الأحيان .

و أيا كان السبب الذي يجعلك تكذب ، و على الرغم من تعقيد و صعوبة تكوين كذبة ناجحة ، فهناك ثلاثة أجزاء رئيسية من الدماغ تستخدمها عندما تقوم بالكذب و الخداع ، و هي القشرة الحزامية الأمامية المسؤولة عن مراقبة الأخطاء ، و القشرة الأمامية الجبهية التي تتحكم في السلوك ، و القشرة الجدارية التي تعالج المعلومات الواردة من حواسك الأساسية .

حيث تصبح هذه الأجزاء أكثر نشاطا عند الكذب ، و يمكن رؤيتها باستخدام ماسحات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفية ، و هي آلية حديثة أكثر تقدما بكثير من أجهزة كشف الكذب التقليدية .

و مع ذلك ، لم يكن لدينا دائما هذه التكنولوجيا المتقدمة لمساعدتنا في كشف الكذب ، حيث اعتمدت البشرية طوال التاريخ على ملاحظاتنا العينية و مهاراتنا الذاتية للتفريق بين الحقيقة و الخداع . فقد تعلمنا كيفية مراقبة سلوكيات الأشخاص الآخرين بحثا عن علامات على أنهم يمارسون الخداع أو الكذب ، كالاتصال غير العادي بالعين ، و التعرق الكثير و شرح قصة تتضمن تفاصيلا كثيرة للغاية و غير معقولة .

فمع تطور قدرتنا على الكذب ، تطورت قدرتنا على كشف الكذب أيضا . حيث أن هذا الأمر كان مفيدا لنا بشكل فردي كبشر لأننا أصبحنا لا نريد أن نعيش كذبة كاملة و نستمر في الكذب ، و ذلك للاحتفاظ بعلاقاتنا مع الناس المقربين منا و أصدقائنا .

و لكن في بعض الأحيان يتم استخدام الكذب للتلاعب بالآخرين لتحقيق مكاسب شخصية ، مثل خداع الناس للاستيلاء على أموالهم أو النصب عليهم .

و الجدير بالذكر أننا لسنا الأنواع الوحيدة التي طورت مثل هذه التكتيكات الكاذبة و الخادعة ، حيث تم إتقان هذه المهارات في جميع أنحاء العالم الحيواني أيضا ، و لا سيما من خلال القردة و السعادين ، التي تقوم بالصياح لإطلاق انذارات كاذبة لإخافة كبار السن منها للابتعاد عن الطعام . كما وتقوم عثة دبور البولكا دوت بمحاكاة نفس النقرات التي تقوم بها عثة سيكينيا الحساسة ذات المذاق السيئ للحيوانات لإبعاد المفترسات عنها . و طورت هذه الحيوانات و غيرها تلك التكتيكات لحماية نفسها بدلا من تعزيز الروابط الاجتماعية عكس ما قمنا به نحن البشر.

النهضة نيوز - بيروت