بثت قناة سي بي إس الأمريكية تقريرا ترجمة النهضة نيوز عن العلاقة بين شركة "NSO" الإسرائيلية المختصة في صناعة برامج التجسس وقضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في تركيا وكذلك علاقة الشركة الإسرائيلية بالسعودية وولي عهدها محمد بن سلمان.
وجاء في التقرير الذي بثته القناة الأمريكية، قائلةً: "هذه الليلة سننقلك إلى داخل العالم الغامض للتجسس الإلكتروني، نظرنا على وجه التحديد إلى شركة إسرائيلية مثيرة للجدل تدعى مجموعة NSO، تقدر قيمتها بحوالي مليار دولار، وتقول إنها طورت أداة قرصنة يمكنها اقتحام أي هاتف ذكي في العالم".
وأشارت القناة الأمريكية إلى أن شركة "NSO" الإسرائيلية للمرة الأولى في شهر مارس، قامت بترخيص وبيع هذا البرنامج، الذي يطلق عليه "بيجاسوس"، لوكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم، حتى يتمكنوا من التسلل إلى الهواتف المشفرة وتطبيقات المجرمين والإرهابيين.
وأضافت القناة: أن "المشكلة هي أن هذه الأداة نفسها يمكن أن تستخدمها الحكومة لسحق المعارضة، وهكذا فقد تم ربط البرنامج بانتهاكات لحقوق الإنسان، والمراقبة غير الأخلاقية، وحتى بجريمة القتل الوحشية للناقد السعودي جمال خاشقجي .
ولفتت سي بي إس الأمريكية إلى أن مجموعة NSO تعمل في مدينة هرتسليا الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سرية تامة، لكن المؤسس المشارك والمدير التنفيذي، شاليف خوليو، أُجبر على الخروج من الظل، بعدما تم اتهامه ببيع برنامج بيجاسوس إلى المملكة العربية السعودية على الرغم من سجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي حوار على قناة سي بي إس الأمريكية مع المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لشركة NSO، شاليف خوليو، وهذه مقتطفات الحوار:
وجه مراسل القناة ليزلي ستال سؤالا إلى شاليف خوليو: تم اتهامك بأنك قد بعت برنامج بيجاسوس للحكومة السعودية، والتي بدورها استخدمته في قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، فما رأيك بذلك ؟
رد شاليف خوليو قائلاً: "قتل خاشقجي كان أمراً فظيعاَ، وعندما سمعت لأول مرة أن هناك اتهامات بأن التكنولوجيا التي نستخدمها ونبيعها قد تم استغلالها في تعقب وقتل الصحفي جمال خاشقجي أو مراقبة أقاربه، بدأت في إجراء فحص فوري لمعرفة الحقيقة، وأستطيع أن أخبرك بوضوح شديد، بأنه لم يكن لدينا أي علاقة بهذه الجريمة الرهيبة .
ووجه ليزلي ستال سؤال أخر: قيل إنك ذهبت إلى الرياض في المملكة العربية السعودية ، أنك قد قمت بنفسك ببيع بيجاسوس للسعوديين مقابل 55 مليون دولار .
شاليف خوليو: لا تصدقوا الصحف فهذا غير صحيح .
ورد المراسل الأمريكي ليزلي ستال: هذا إنكار، أليس كذلك؟
وقال ليزلي ستال مراسل قناة سي بي إس الأمريكية: لماذا تريد حكومة إسرائيل، للسعودية التي تعتبرها عدواً محتملاً، الحصول على مثل هذا البرنامج الخطير؟
رد شاليف خوليو: لن أتحدث عن عميل محدد.
وتابع ليزلي ستال توجيه أسئلته قائلاً: لكن هل يمكنك القول أنك لن تبيع بيجاسوس ولم تبيعها لبلد معروف بانتهاك حقوق الإنسان وسجن الصحفيين وملاحقة الناشطين السياسيين؟
وأجاب شاليف خوليو : أستطيع أن أقول لكِ، أننا فقط نبيع بيجاسوس من أجل منع الجريمة والإرهاب في العالم، مثلاً كان اختراق جهاز أي فون مشكلة في الهجوم الإرهابي الذي حصل عام 2015م في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه لا يمكن أن يعرف محتوى هاتف مطلق النار، وأن شركة آبل رفضت المساعدة بسبب قوانين وسياسات الخصوصية المتبعة في الشركة للمستخدمين، في حينها، جاءت إلينا وكالات الاستخبارات قائلةً : "لدينا مشكلة مع الهواتف الذكية الجديدة،فلم يعد بإمكاننا الحصول على معلومات استخبارية قيمة من خلالها ".
وقال ليزلي ستال: أذلك لأنه يتم تشفيرها ؟
أجاب شاليف خوليو: نعم، بالضبط.
ووجه سؤال أخر ليزلي ستال: كم عدد الأرواح التي أنقذها بيجاسوس في اعتقادك ؟
وأجب شاليف خوليو: عشرة آلاف شخص.
ليزلي ستال: حقا ؟
شاليف خوليو: أجل، بالتأكيد.
أحالنا خوليو إلى رئيس وكالة مخابرات أوروبية غربية عبر اتصال الفيديو لم يكشف فيه عن وجهه، حيث أكد لنا أن بيجاسوس لعب دوراً استراتيجياً في إحباط الهجمات التي يشنها الجهاديون الأوروبيون، وكذلك القبض على عصابات تهريب المخدرات والاتجار بالبشر.
وفي مقابلة القناة الأمريكية مع غانم المصارير الكوميدي السعودي المعارض الذي يعيش في لندن، و له برنامج ساخر شهير على يوتيوب والذي يستهدف فيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بشكل دائم.
مراسل القناة الأمريكية ليزلي ستال يقول: إذا كنت في المملكة العربية السعودية، فسيتم حتماً سجنك أليس كذلك ؟
غانم المصارير: حسنًا، لا أعتقد أنني سأكون في السجن . لكن أعتقد أنه لن يجد أحد جسدي مثلما وجدوا جسد جمال خاشقجي .
وأضاف غانم: "في العام الماضي، بينما كان النظام يختطف ويلاحق المنشقين السعوديين ويحبسهم ويعذبهم ، إنه تلقى مع غيره من النقاد في الخارج رسائل نصية مزيفة تشبه إشعارات البريد الدولي "DHL"، فإذا تم النقر عليها، فسيتم تنزيل بيجاسوس على هواتفهم بشكل تلقائي دون موافقتكم أو معرفتكم، وبالتالي يمكن للحكومة التجسس عليكم .
وسأله الصحفي الأمريكي ليزلي ستال : وهل نقرت عليه؟
غانم المصرير يجيب: بالطبع ضغطت لأعرف من الذي قد يرسل لي طرداً بريدياً في تلك اللحظة . لقد تم تصميم بيجاسوس للقبض على الإرهابيين . فمن يعرف من قد يكون ارهابياً ؟ هل تعتقدين أنني إرهابي ؟ هل أبدو كإرهابي لكِ ؟
ورد ليزلي ستال: لا أعرف كيف يبدو الإرهابي بصراحة .
وأجاب غانم المصارير: المشكلة هي أن السعوديين يعتبرون أن الناس الذين يطالبون بحرية التعبير إرهابيين، إنهم يعتبرون أن أي شخص يهدد نظامهم إرهابي ! .
المراسل ليزلي ستال يوجه سؤاله إلى المدير التنفيذي لشركة NSO الإسرائيلية، شاليف خوليو: ماذا تفعل عندما يكون لدى عميلك تعريف "إرهابي" خاص به يختلف عن معاييرنا في تعريف الإرهاب ؟ ففي بعض البلدان، يتم اعتبار المعارضة إرهاباً- فهل هم إرهابيين حقاً ؟
وقال شاليف خوليو: لا يوجد شيء من هذا القبيل، كل عميل قمنا ببيعه لديه تعريف واضح للغاية لما هو الإرهاب، وللأشخاص السيئين الذين يقومون في الأساس بأشياء سيئة مثل قتل الأبرياء، من أجل تغيير الأجندة السياسية، ولم أقابل قط عميلاً أخبرني أن المعارضين إرهابيين.
ورد ليزلي ستال: حسنًا ، بالتأكيد لن يخبروك بذلك .
وتابع شاليف خوليو: لكن إذا تصرفوا هكذا، فلن يكونوا زبائن دائمين . فهناك أكثر من مائة دولة، بل مئات الدول التي لن نبيع تكنولوجياتنا إليها أبدًا إن قاموا بفعل ذلك .
ومن جهته، قال رونالد ديبرت رئيس منظمة " Citizen Lab "، وهي هيئة مراقبة حقوق الإنسان بجامعة تورنتو: المشكلة هي أنه لا توجد ضوابط مناسبة حول آلية استخدام هذه التكنولوجيا.
وأضاف رونالد ديبرت: يتم استخدام هذه التكنولوجيا من قبل ديكتاتوريين استبداديين يمكنهم القيام بعمليات تجسس عبر الإنترنت العالمي ببساطة عن طريق شراء مثل هذه التكنولوجيا المتطورة .
لكن شاليف خوليو يقول إن "NSO" غير قادر على معرفة من هم عملاءهم المستهدفون . فقط بعد وجود ادعاء بسوء الاستخدام ، يمكن لـ "NSO" طلب بيانات الشخص المستهدف للتحقيق في الأمر .
وأكد شاليف خوليو: يمكنني أن أخبرك أنه في الأعوام الثمانية الماضية من إنشاء الشركة ، لم نواجه سوى ثلاث حالات حقيقية من سوء الاستخدام ، من بين الآلاف من حالات إنقاذ الأرواح، أولئك الذين يسيئون استخدام النظام، لم يعودوا زبائن ولن يكونوا أبدًا زبائن لدينا مرة أخرى .
وأكدت Citizen Lab"" أنها كانت قادرة على العثور على العديد من الحالات، ففي المكسيك وحدها كان هناك 27 حالة، حيث تم استخدام بيجاسوس لاستهداف المنافسين السياسيين والصحفيين وناشطي الحقوق المدنية، ويقولون أيضًا إنهم عثروا على رابط بيجاسوس على هاتف الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور.
ومن جانبها، قالت تامي شاتشار الرئيسة التنفيذية السابقة لـ "NSO: أعتقد أن الأشخاص الذين ليسوا جزءًا من الأنشطة الإجرامية أو الإرهابية ليس لديهم ما يدعو للقلق من البرامج واستخداماته .
وأشارت تامي شاتشار إلى أن بيجاسوس يستخدم تقنيات دقيقة تشبه الدقة الجراحية .
ورد ليزلي ستال مراسل قناة سي بي إس: لكن السبب في انتقاد شركتك و السبب في قيامنا بهذه المقابلة هو أن الدول استخدمت التكنولوجيا الخاصة بك على نشطاء حقوق الإنسان ، و على الصحفيين.
وردت على السؤال تامي شاتشار: هناك مزاعم تم رفعها، وهناك تقارير قيلت، نحن نأخذ كل هذه الادعاءات على محمل الجد . ولكن حتى الآن لم يثبت شيء من تلك التقارير والأقاويل . فللحماية من سوء الاستخدام ، تمتلك الشركة ثلاث طبقات من التدقيق في العملاء المحتملين: واحدة من وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ الثانية من قبل لجنة أخلاقيات العمل الخاصة بها؛ وثالثا من خلال اتفاقياتنا التعاقدية التي تجبر عملائنا على التوقيع والتعهد على أن الاستخدام المقصود الوحيد للنظام سيكون ضد الإرهاب والجريمة .
وقال الصحفي الأمريكي ليزلي ستال: أوه ، يوقعون ؟ وأنتِ تصدقهم فقط لأنهم يوقعون على تعهد؟ أتمازحينني ؟
ماهو برنامج بيجاسوس؟
كما ويعتبر برنامج بيجاسوس من أكثر أدوات الاختراق باهظة الثمن من حيث سعره وإمكانياته الخارقة، فهو يتيح للسلطات أن تفعل ما لم تستطع تحقيقه منذ فترة طويلة، مثل اختراق ومراقبة الهواتف الذكية عن بُعد، مما يجعل كل شيء فيها مرئيًا تماماً للحكومة، بما في ذلك جميع رسائل البريد الإلكتروني وجهات الاتصال والرسائل سواء أكانت جديدة أو قديمة، مشفرة أو لا.
بالإضافة إلى أن بيجاسوس يسمح لرجال المخابرات والعملاء بتتبع المواقع، والاستماع إلى المحادثات وتسجيلها، وتحويل الهاتف بشكل أساسي لأداة تجسس ضد مستخدمه دون علمه حتى .
وفي تاريخ الشركة الذي يمتد لثمانية أعوام ، لم يسمحوا أبدًا بالدخول إليها والتصوير بالكاميرات، لكنهم أرادوا أن يوضحوا لنا أنهم مثل أي شركة ذات تقنية عالية، مثل شركة بلايستيشن أو غيرها من الشركات التي تقوم بهذا الإجراء لحماية خصوصيتها الفكرية لاختراعاتها .
فقد كان هناك الكثير مما لم نتمكن من رؤيته، لاسيما وجوه العاملين فيها. فالعمل سريُ للغاية، بعض الموظفين هم في الأصل من عملاء سابقين في المخابرات العسكرية الإسرائيلية والموساد .
بيجاسوس هي أداة تجسس حساسة ويجب حتى على الشركة نفسها الحصول على موافقة من وزارة الدفاع الإسرائيلية، قبل أن يتم بيع البرنامج لأي عميل، ناهيك عن المملكة العربية السعودية، كما لو أنها كانت صفقة لبيع الأسلحة .
وكما هناك أسئلة أخلاقية أخرى في قضية بيع برنامج بيجاسوس للحكومات. فعلى سبيل المثال، غالباً ما تخترق السلطات هواتف الأبرياء حول الشخص المقصود اختراقه، مثل أفراد الأسرة والجيران، فقد أفيد أن السلطات المكسيكية استخدمت بيجاسوس للقبض على ملك المخدرات جواكين جوزمان، المعروف باسم إل تشابو، عن طريق اختراق هواتف عدد قليل من الأشخاص الذين تحدث معهم أثناء وجوده في الطريق إلى المنزل .
بالإضافة إلى أنه قد أصبح استهداف الدائرة الداخلية لشخص ما يمثل مشكلة كما حصل في قضية خاشقجي، فقد كان عمر عبد العزيز، وهو ناقد سعودي مؤثر على الإنترنت مقره في كندا، يرسل الرسائل إلى خاشقجي حتى وفاته، والآن يرفع عبد العزيز دعوى قضائية ضد "NSO"، مدعياً أن السعوديين استخدموا بيجاسوس لاختراق هاتفه، و بالتالي التجسس على خاشقجي .