جينات القتل تعود للواجهه.. هل يولد الإنسان مجرما؟

هل ولد بعض الناس ليكونوا مجرمين.. خرافة تتجدد بخطورة هل ولد بعض الناس ليكونوا مجرمين.. خرافة تتجدد بخطورة

في أكتوبر 2024 صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأن "القتل في الجينات" لدى بعض المهاجرين، ما أثار جدلا حول الخطاب العنصري القائم على فكرة "الجينات السيئة"، ورغم محاولات حملته التوضيح فإن التصريحات تكررت بشكل يعكس جذورا عميقة في الفكر الإحيائي الأمريكي، حيث تستخدم مفاهيم وراثية لتبرير الإقصاء السياسي والحقوقي.

وبهذا تعود أطياف خطاب "تحسين النسل" إلى الواجهة، متخفية خلف قناع علمي، لكنها محملة بأحكام قيمية تستهدف المهاجرين والفئات المهمشة، وتعيد صياغة سؤال الانتماء والمواطنة في أمريكا.

كيف مهد لومبروزو لعلم الإجرام الوراثي

ويرتبط اسم الطبيب الإيطالي سيزار لومبروزو بميلاد علم الأنثروبولوجيا الجنائية، الذي افترض أن بعض الأفراد يولدون "مجرمين" بناء على سماتهم الجسدية، واعتبر أن المجرم "الولادي" يحمل خصائص بيولوجية تجعله خارجا عن المعالجة والإصلاح، ما يبرر عزله أو حتى إعدامه، فوصفه للتشوهات الشكلية مثل الجبهة المنحدرة والأسنان الزائدة والأنوف المفلطحة، لم يكن مجرد تحليل علمي بل إعادة إنتاج صريحة لصور نمطية عن "السود" و"البدائيين".

إن هذه النظرية غذت سياسات تحسين النسل، من التعقيم القسري في الرايخ الثالث إلى دعم الأبحاث الأمريكية حول المجرمين "الوراثيين"، ورغم ادعاء لومبروزو البعد عن الإحيائية، فقد شكلت نظريته الأساس لتجريم السمات الجينية والعرقية.

الجينات والدماغ في ميزان الجريمة

بعد الحرب العالمية الثانية تراجعت السرديات البيولوجية للجريمة لكنها لم تختف، إذ عادت إلى الساحة عبر أبحاث التوائم والكروموسومات، وتحديدا الجين MAOA المرتبط بالسلوك العدائي، ورغم فشل دراسات كثيرة في إثبات علاقة حاسمة بين الجينات والجريمة، استمرت بعض الأوساط العلمية في ترويج "الخطر الوراثي".

واتخذت هذه الموجة الجديدة شكلا أكثر تعقيدا فبدلا من الحديث عن "جينات القتل"، يعاد تعريف الجريمة بوصفها خللا طبيا في الدماغ، ويرصد عبر تقنيات تصوير عصبي، لكن هذه الأبحاث تغفل السياقات الاجتماعية كالعنصرية والفقر وتظهر "السلوك الإجرامي" كخلل جيني محتمل منذ الطفولة، ما يثير مخاوف من وصم الأفراد مبكرا وخضوعهم لإجراءات وقائية قسرية، والأسوأ أن هذه الرؤى تعيد إنتاج خطاب تحسين النسل من خلال أدوات علمية حديثة، وتخفي أبعاد الظلم البنيوي تحت قناع "العلم المحايد".

ويحذر علماء الاجتماع من تجاهل العنصرية بوصفها عاملا اجتماعيا في إنتاج الجريمة ويجعل من هذه الأبحاث أداة لتجديد التمييز والإقصاء لا لمواجهته.