تحليل يكشف وضع لبنان المحاصر بين التغيير الحقيقي ووكلاء القوة

أخبار لبنان

تحليل يكشف وضع لبنان المحاصر بين التغيير الحقيقي ووكلاء القوة

17 كانون الأول 2020 12:17

بعد أن ساد تفاؤل مبدئي بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، اعترض الرئيس ميشال عون على ما أسماه "القرار الفردي" لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري في ترشيح أعضاء مجلس الوزراء، وخاصة الوزراء المسيحيين منهم، وذلك لأنه لم يتشاور معه بشأنهم أولا، في حين نفى الحريري أنه تجاوز الرئيس في اجتماع مجلس الوزراء، الهيئة التنفيذية في لبنان التي يرأسها رئيس الوزراء وتتألف تقليديا من عدد متساو من الوزراء المسيحيين والمسلمين.


لبنان والتشكيل الحكومي

وقد أصدر مكتب رئيس الوزراء اللبناني المكلف بيانا يوم الاثنين جاء فيه أنه في اجتماعهم الثاني حول هذا الموضوع، تسلم الحريري قائمة مرشحين من الرئيس، حيث تم اختيار أربعة من أسماء المرشحين المسيحيين منها.

وردا على ذلك غردت الرئاسة اللبنانية على تويتر قائلة: "إن اعتراض الرئيس عون استند إلى أسلوب توزيع الحقائب على الطوائف وليس على الأسماء المحددة المقترحة".

تجدر الإشارة إلى أنه بتاريخ 22 أكتوبر، كلف عون الحريري بتشكيل الحكومة، وإذا ما نجح الحريري في مهمته، فسيترأس حكومته الثالثة منذ عام 2009 .

وقال ميشيل أبو نجم، منسق الأبحاث في معهد الدراسات المستقبلية في بيروت، لموقع The Media Line، أن الخلاف بين عون والحريري يدور حول من سيقوم بتعيين الوزراء وما إذا كان رئيس الوزراء المكلف، مسلما سنيا كما هو مطلوب بموجب نظام لبنان أم لا ، وهل ستقوم الحكومة باختيار الوزراء المسيحيين أم لا ، وعلى أن يشغل منصب الرئيس مسيحي ماروني كما هو مطلوب بموجب النظام القطاعي في لبنان.


لبنان ينتظر حل الخلاف بين الرئيسين لاتمام التشكيل الحكومي


كما وقال أبو نجم أن تقارير سابقة تحدثت عن سواد الأجواء الإيجابية في تشكيل الحكومة قد انتشرت من قبل فريق الحريري لإلقاء اللوم على الرئيس ميشيل عون في حال حدوث أي خطأ، في حين تبقى القضية الرئيسية تتمحور حول استخدام رئيس الوزراء المكلف معيارا موحدا في التعامل مع جميع القوى التي ستشكل هذه الحكومة أم أنه سيتابع "التسلل السياسي" في محاولة لإعادة حلفائه إلى السلطة على حساب القوى الأخرى والرئاسة اللبنانية كذلك.

ففي الحقيقة، تشير الأجواء العامة في البلاد إلى أن اختيار الحريري لحكومته، كما فعل في السابق، سيأخذ في الاعتبار مطالب ما يسمى بالثنائي الشيعي الأكبر في البلاد، حزب الله و حركة أمل للحصول على وزارة المالية.

وأكمل أبو نجم: "إن الأمر نفسه ينطبق على الحزب التقدمي الاشتراكي المتحالف مع حزب الله و الذي يهيمن عليه الدروز، وبالطبع على المكون السني في مجلس الوزراء".

بالإضافة إلى ذلك، انتقد أبو نجم الحريري لعدم إشراك عون في اختيار الوزراء المسيحيين، حيث قال: "هناك مشكلة كبيرة من حيث المبدأ، لأن هذا يتعارض مع روح اتفاق المصالحة الوطنية، و هو اتفاق الطائف الذي تم التوصل إليه عام 1989، و الذي وفر الأساس لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية الممتدة بين عامي 1975-1990".


لبنان على وقع انتظار التشكيل


كما وأوضح أبو نجم أنه سيكون من الخطأ الاستمرار بنفس الأساليب القديمة وتخصيص الوزارات لنفس السلطات التي حكمت البلاد منذ اتفاق الطائف ، وليس فقط بسبب الموضوع الطائفي.

مضيفا: "إن تجربتهم في إدارة البلاد رسخت مقاربة الفساد والنهب، و لا تشجعنا على الموافقة على خيارات الحريري، فهو جزء من هذا النظام ويتحمل المسؤولية عنه. بالإضافة إلى أن صلاحيات الرئيس اللبناني محدودة للغاية، ويبدو أن الحريري يريد تقليصها أكثر وأكثر فلن يقبل أحد بهذه الطريقة التعامل هذه التي يتبعها رئيس الوزراء المكلف الحريري".

استنادا إلى اتفاق الطائف، وهو أحدث تعديل للدستور اللبناني، تتبع البلاد نظاما معينا لتقاسم السلطة بهدف ضمان التمثيل السياسي لجميع الطوائف الـ 18 المعترف بها في البلاد حيث يجب أن يكون للحكومة اللبنانية تمثيل من جميع الطوائف الدينية، بما في ذلك أكبر ثلاث مجموعات : المسيحيون الموارنة و المسلمون السنة و الشيعة .

حيث أن البرلمان اللبناني مقسم بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وينقسم بالتناسب بين الطوائف في كل دين كما ويتم تقسيم المناصب الحكومية والقطاع العام بين الطوائف أيضا، ويجب أن يكون رئيس البلاد مسيحيًا مارونيا ورئيس الوزراء مسلما سنيا، بينما يجب أن يكون رئيس البرلمان شيعيا على الدوام. وقد خلق هذا النظام انقسامات راسخة بين جميع الطوائف الدينية الـ 18 المعترف بها في لبنان خلال السنوات السابقة. 


البرلمان اللبناني


وقال علي أمين، المحلل والصحفي اللبناني الذي يكتب في صحيفة العرب التي تتخذ من لندن مقرا لها، أن نظام تقاسم السلطة في لبنان ليس هو المشكلة، لأن الخلاف الرئيسي يدور حول فكرتين رئيسيتين، هما : صلاحيات تسمية الوزراء، واختيار وزراء مستقلين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الطائفية. 

حيث قال أمين: "إن الموقف الراهن يتعلق بالاقتراح الفرنسي الأخير بتشكيل حكومة جديدة مكونة من شخصيات مستقلة، على عكس عملية الاختيار السابقة لوزراء الحكومة فالخلاف بين عون والحريري نشأ لأنه بالإضافة إلى اختيار الوزراء المسلمين، قام الحريري بتسمية الوزراء المسيحيين الذين يجب أن يختارهم الرئيس بنفسه لكن الكل يعلم أن اختيار الوزراء لم يكن من قبل الحريري بل تم بالتنسيق مع الفرنسيين، فهو لا يستطيع أن يقول أن الفرنسيين اختاروا الوزراء، لكنه يستطيع أن يقول أن الرئيس لم يختر أيا منهم".

وأشار أمين إلى أن عون أراد تسمية ثلث أعضاء مجلس الوزراء، لأن ذلك سيمكنه من نقض تحركات وقرارات مهمة، لأن القرارات في مجلس الوزراء تتطلب أغلبية الثلثين لإقرارها، مضيفا أن القوى التقليدية المسيطرة في البلاد ما زالت غير مقتنعة بقبول حكومة شخصيات مستقلة وأضاف: "لقد أوضح الشعب اللبناني أنه يريد حكومة مستقلة غير مرتبطة بالقوى السياسية، وهو أمر مختلف تماما عن النظام الحاكم الذي أدى إلى هذه الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد".

وتابع: " في الحقيقة، تدرك هذه القوى المسيطرة أن أي نهج جديد لحل مشاكل البلاد سيقلل بالضرورة من سلطتها حيث أن الأمر لا يتعلق مباشرة بالشعب اللبناني، حيث نجح سماسرة ووكلاء القوة والنفوذ التقليديين في قمعهم إلى حد ما، كما أنه مرتبط بأحزاب و أطراف خارجية جعلت من التغيير الحقيقي والجدي شرطا لمساعدة البلاد ماليا".

زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت مباشرة بعد الانفجار المدمر الذي ضرب ميناء العاصمة في شهر أغسطس الماضي، وقد عاد في مطلع سبتمبر وأعلن عن مبادرة تقضي بتشكيل حكومة تقوم بالإصلاح وفق برنامج محدد مقابل حصول لبنان على مساعدة مالية من المجتمع الدولي.


زيارة ماكرون إلى لبنان

حيث يعاني المواطنون اللبنانيين من أزمة سيولة دولار خانقة، وهي أحد العوامل الواقعة وراء احتجاجات ثورة أكتوبر المستمرة التي بدأت في أكتوبر 2019 ، والتي اندلعت بسبب فرض ضريبة جديدة مخططة على استخدام برامج الاتصالات القائمة على الإنترنت مثل تطبيق واتس أب، ثم اتسعت بعد ذلك للتعبير عن عدم الرضا العميق عن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والطائفية في البلاد  وقد دفع ذلك رئيس الوزراء آنذاك الحريري إلى تقديم استقالته بتاريخ 29 أكتوبر 2019، وتشكيل حكومة في يناير الماضي على يد حسن دياب، الذي استقال في أعقاب انفجار الميناء .

وقال أيهم الأحمر، المحلل الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد والإدارة الصحية، لصحيفة The Media Line، أنه سواء أتم تشكيل حكومة جديدة أم لا ، فلن يتغير شيء من حيث الأزمة المالية في لبنان، و التي استمرت لسنوات طويلة بالفعل. مضيفا: "لا أحد، بما في ذلك محافظ البنك المركزي ، يعرف كيف ينهي الأزمة المالية في لبنان وهذا أمر متوقع عندما لا يكون لديك أي تخطيط لأي مشروع اقتصادي في البلد بأكمله".

وأوضح الأحمر أنه انطلاقا من طريقة تشكيل الحكومة الجديدة، فإنها ستهدف إلى إنقاذ الوضع الاقتصادي للبلاد من خلال اتباع سياسة التقشف والتبعية السياسية للمحاور الدولية التي تسيطر على الساحة العالمية والإقليمية .

مشيرا إلى أن أن الاقتصاد اللبناني يعتمد على مساعدات من منظمات غير ربحية تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إضافة إلى المساعدات المقدمة للجيش اللبناني، قائلا: " إنها المصدر المالي الوحيد للبنان". 


أزمة الاقتصاد في لبنان


بالإضافة إلى ذلك أوضح الأحمر أنه إذا ما وجد الناس وظائف، فإن الراتب لا يغطي نفقات معيشتهم اليومية حتى . ففي ظل اقتصاد خانق، فقد عشرات الآلاف من اللبنانيين وظائفهم أو على الأقل جزءا من دخلهم، ويعيش ما يقرب من نصف السكان تحت خط الفقر، وذلك وفقا للبنك الدولي، ويقول خبراء اقتصاديون أن الطبقة الوسطى في لبنان تتأثر بهذه الأزمة الاقتصادية بشكل متزايد .

وبحسب الأحمر، فقد لا تتمكن بيروت قريبا من توفير ما يكفيها من القمح أو الكهرباء أو خدمات الإنترنت، لأنها لا تملك العملة الأجنبية لدفع أجور مقدمي الخدمات الأجانب .

النهضة نيوز _ترجمة خاصة