رحيل العالم فرانك دريك الذي قاد الأبحاث عن وجود حياة على كواكب أخرى عن عمر يناهز 92

رحيل عالم الفيزياء الفلكية فرانك دريك تاركاً ورائه معادلة قيّمة رحيل عالم الفيزياء الفلكية فرانك دريك تاركاً ورائه معادلة قيّمة

في عام 1961، توصل عالم الفيزياء الفلكية الأمريكي فرانك دريك، الذي توفي في 2 أيلول (سبتمبر) عن عمر يناهز 92 عاماً، إلى معادلة تقدر عدد الحضارات الذكية الموجودة في مجرتنا حالياً، وأصبحت مشهورة وتحمل اسمه.

هذا يضع دريك بمرتبة علماء فيزيائيين بارزين لديهم معادلات سميت بأسمائهم، من بينهم جيمس كليرك ماكسويل وإروين شرودنغر، لكن معادلة دريك تختلف عن تلك المعادلات في أنها لا تلخص قانوناً في الطبيعة، وإنما تجمع بين بعض الاحتمالات غير المعروفة جيداً في تقدير متبصّر.

ومهما كانت القيم المعقولة التي تعوّضها في المعادلة (انظر الصورة أدناه)، من الصعب تجنب استنتاج أننا لسنا وحيدين في المجرة. وظل دريك مؤيداً للبحث عن حياة خارج كوكب الأرض طوال حياته، لكن هل تعلمنا من معادلته أي شيء حقاً؟


قد تبدو معادلة دريك معقدة، لكن مبادئها بسيطة إلى حد ما، إذ تنص على أنه في مجرة قديمة بقدم مجرتنا، يجب أن يساوي عدد الحضارات التي يمكن اكتشافها بحكم بثها إشارات تدل على وجودها المعدلَ الذي نشأت به، مضروباً في متوسط عمرها.

قد يبدو وضع قيمة على المعدل الذي تحدث فيه الحضارات بمثابة تخمين، لكن دريك أدرك أنه يمكن تقسيمها إلى مكونات أكثر قابلية للتتبع.

وذكر أن المعدل الإجمالي يساوي المعدل الذي تتشكل به النجوم الملائمة، مضروباً في العدد الكسري للنجوم التي تدور حولها كواكب. ثم يتضاعف هذا في عدد الكواكب القادرة على إيجاد حياة في كل نظام شمسي، مضروبة في العدد الكسري للكواكب التي تبدأ الحياة فيها، مضروبة في العدد الكسري للكواكب التي تصبح فيها الكائنات الحية ذكية، مضروبة في عدد الكواكب التي تبث إشارات عن وجودها.

عندما صاغ دريك معادلته لأول مرة، كانت القيمة الوحيدة الموثوق بصحتها هي معدل تشكل النجوم - نحو 30 نجم في السنة.

أما فيما يخص القيمة التالية، في الستينيات، لم يكن لدينا أي دليل على أن وجود نجوم أخرى تدور حولها كواكب. ومع ذلك، فإن الاكتشافات الرصدية للكواكب الخارجية (الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى) والتي بدأت في التسعينيات وازدهرت هذا القرن تجعلنا الآن واثقين من أن معظم النجوم تدور حولها كواكب.

وتوحي الفطرة السليمة بأن معظم أنظمة الكواكب المتعددة ستشمل واحداً على مسافة مناسبة من نجمه ليكون قادراً على دعم الحياة، والأرض هي ذلك الكوكب في نظامنا الشمسي. بالإضافة إلى ذلك، ربما كان المريخ مناسباً لوفرة الحياة في الماضي - ولا يزال من الممكن أن يظل قابلاً لوجود الحياة على سطحه.

وندرك اليوم أيضاً أنه ليس من الضروري أن تكون الكواكب دافئة بما يكفي لوجود الماء السائل على السطح لدعم الحياة، فقد تنشأ الحياة في المحيط الداخلي لجسم مغطى بالجليد، مدعوماً بالحرارة المتولدة إما عن طريق النشاط الإشعاعي أو المد والجزر بدلاً من ضوء الشمس.

وهناك عدة كواكب مرشحة بين أقمار كوكبي المشتري وزحل، على سبيل المثال. في الواقع، عندما نضيف أقماراً باعتبارها قادرة على استضافة الحياة، فإن متوسط عدد الأجسام الصالحة للسكن لكل نظام كوكبي قد يتجاوز بسهولة الواحد.

ومع ذلك، تظل القيم باتجاه الجانب الأيمن من المعادلة أكثر انفتاحاً على الدحض والتشكيك، إذ قد يظن بعضهم أن الحياة ستنشأ في أي مكان مناسب، على مدى بضعة ملايين من السنين.

قد يعني ذلك أن العدد الكسري للأجسام المناسبة التي تنشأ فيها الحياة فعلياً يساوي تقريباً واحداً. ويقول آخرون إنه ليس لدينا حتى الآن دليل على نشأة الحياة في أي مكان آخر غير الأرض، وإن أصل الحياة قد يكون في واقع الحال حدثاً نادراً للغاية.

وهل سينتج عن الحياة بمجرد نشوئها مخلوقات ذكية في النهاية؟ ربما ينبغي من الكائنات الحية تجاوز المرحلة الميكروبية وأن تصبح المتعددة الخلايا أولاً.

هناك أدلة على أن الكائنات الحية المتعددة الخلايا نشأت أكثر من مرة على الأرض، لذا فإن التحول إلى خلايا متعددة قد لا يشكل حاجزاً. مع ذلك، أشار آخرون إلى أن "النوع الصحيح" من الكائنات الحية المتعددة الخلايا على الأرض التي استمرت في التطور، ظهرت مرة واحدة فقط وقد تكون نادرة على نطاق المجرة.

وقد يمنح الذكاء ميزة تنافسية على الأنواع الأخرى، ما يعني أن تطورها قد يكون مرجحاً إلى حد ما. لكننا لا نعرف على وجه اليقين.

وهل سينتج عن الحياة الذكية التكنولوجيا إلى المرحلة التي تبث فيها عبر الفضاء (عرضاً أو عمداً) إشارات تدل على وجودها؟ ربما إن كانوا سكان سطح مثلنا، لكنه قد يكون نادراً إن كانوا سكان محيطات داخلية في العوالم المتجمدة التي لا يوجد فيها غلاف جوي.

ما هي مدة وجود الحضارات؟

ماذا عن متوسط عمر حضارة يمكن اكتشافها، المرموز له برمز "L"؟ إذ بدأ البث التلفزيوني لدينا في جعل الأرض قابلة للاكتشاف من بعيد في الخمسينيات من القرن الماضي، ما أعطى قيمة دنيا لـ "L" تبلغ نحو 70 عاماً في حالتنا.

بشكل عام، قد يكون L مقيداً بانهيار الحضارة (ما هي احتمالات بقائنا لمدة 100 عام أخرى؟) أو الزوال شبه الكامل للبث الإذاعي لصالح الإنترنت، أو عن طريق اختيار متعمد لوقف البث خوفاً من سكان المجرة المعادين.

تلاعب بالأرقام بنفسك - إنها ممتعة! ستجد أنه إذا كانت قيمة L أكثر من 1000 عام، فمن المحتمل أن يكون N (عدد الحضارات التي يمكن اكتشافها) أكبر من مئة، علماً أن دريك قال خلال مقابلة مسجلة في عام 2010 إن أفضل تخمين له لقيمة N كان نحو 10000.

نتعلم المزيد عن الكواكب الخارجية كل عام، وندخل حقبة أصبح قياس تكوين غلافها الجوي للكشف عن دليل على وجود الحياة أمراً ممكناً بشكل متنامٍ. وفي غضون العقد أو العقدين المقبلين، يمكننا أن نأمل في الحصول على تقدير قائم على أساس أكثر دقة للعدد الكسري للكواكب الشبيهة بالأرض حيث تنشأ الحياة.

لن ينبئنا هذا عن الحياة في المحيطات الداخلية، ولكن يمكننا أن نأمل في الحصول على رؤى حول ذلك من البعثات إلى الأقمار الجليدية لكواكب المشتري وزحل وأورانوس. ويمكننا بالطبع اكتشاف إشارات فعلية من مخلوقات ذكية خارج كوكب الأرض.

في كلتا الحالتين، ستواصل معادلة فرانك دريك، التي حفزت العديد من مسارات البحث، منحنا منظوراً يحفزنا على التفكير، لذلك يجب أن نكون شاكرين له.

صحيفة ذا كونفرزيشن