القسيس منذر اسحق يثبت عدم جواز صمت المسيحيين عن الظلم في فلسطين من تعاليم يسوع المسيح

تقارير وحوارات

القسيس منذر اسحق: قضية فلسطين يجب أن تكون جوهرية لمسيحيي الشرق ولا يجوز لهم الصمت عن الظلم في فلسطين

8 آذار 2024 22:10

شدد قس بيت لحم المقدسة الدكتور منذر اسحق، على أن قضية فلسطين يجب أن تكون قضية جوهرية لمسيحيي الشرق، مستشهدا بتعاليم يسوع المسيح على وجوب عدم صمت المسيحيين تحديدا على الظلم في فلسطين.


منذر اسحق: لاهوت الصهيونية المسيحية لا يمثلنا ولا يمثل الإنجيل

حيث أكد القسيس منذر اسحق في حوار مع الإعلامية غدي فرنسيس عبر منصة بالمباشر على موقعها في يوتيوب بأن قضية فلسطين بالنسبة لكنائس المشرق ومن منظور مسيحي بحت، يجب أن تكون قضية أساسية وجوهرية لسببين على الأقل:

وأوضح قس بيت لحم ذلك بالقول: "أولا وشئنا أم أبينا فقد تم استخدام الكتاب المقدس لترويج الاستعمار، وسكوتنا يعني قبولنا لهذا اللاهوت الغربي ولاهوت الصهيونية المسيحية الذي يبرر سياسات الاحتلال وقيام دولة إسرائيل على أساس إيماني، بل وينادي بضرورة دعم إسرائيل من منطلق أن الله يبارك الإنسان الذي يدعم إسرائيل، وهذا اللاهوت انتقدناه كثيرا وقلنا بأنه لا يمثلنا ولا يمثل الإنجيل، فعندما يكون هذا اللاهوت منتشر في الغرب بشكل كبير، وقاد إلى توجهات سياسية تدعم إسرائيل بالمال واللوبيات، ونحن في المسيحية الشرقية صامتون، فهذا يعني أننا موافقون، ولهذا السبب لا ينفع أن نبقى صامتين، يجب أن نتكلم ونقول بأن هذا اللاهوت لا يمثلنا وخاطئ.

وثانيا قضية فلسطين يجب أن تكون قضية جوهرية لمسيحيي الشرق لأنها قضية إنسانية تتعلق بالدرجة الأولى بالعدل، فما حصل في فلسطين ظلم تاريخي، ما حصل في فلسطين منذ العام 1948 حتى الآن، تهجير قسري، تطهير عرقي، قتل وظلم مستمر، الإنسان الفلسطيني يعيش تحت نير احتلال قاسٍ جداً."

قس بيت لحم: الدفاع عن فلسطين في جوهر الإيمان المسيحي

ولفت القسيس اسحق إلى أن قضيته التي يدافع فيها عن فلسطين، ليست فقط لأنه منتمي لفلسطين، بل من منظور إيماني يدافع عن المظلوم وعن قيم الحق والعدالة، والتي هي في جوهر الإيمان المسيحي، فالكتاب المقدس يعلِّم بوضوح أن الإنسان يجب أن يدافع عن الحق والمظلوم حتى يكون صوت من لا صوت له.

وأشار إلى أن تعاليم المسيح واضحة، طوبى للعطاش والجياع إلى البرِّ، طوبى لصانعي السلام، طوبى للرحماء، فهذه ليست مجرد تعاليم للفرد كي يكون رحيما مع جاره، بل هذه التعاليم لها علاقة بوجودنا وعلاقاتنا وبمجتمعنا.

وأضاف: "أنا كشخص حينما أرى إنسانا يعتدي على آخر وأسكت ولا أتصرف، فأنا أقدم هنا رسالة بأنني أوافق على هذا الاعتداء، وأن رسالتي كقسيس مسيحي للإنسان المعتدى عليه هي أنني غير مهتم به بمعنى "فخار يكسر بعضه"، وهذا بالنسبة لي غير مقبول، فالمسيح كان يمشي ويتحنَّن على الناس ويشعر مع الناس."

وتابع قائلا: "ذات الأمر مع الكنيسة، فهي حينما تنظر أمام بيتنا ظلم تاريخي، وهذا الظلم لا نشاهده فقط بل نتعرض له، فالمسيحي ابن رعيتي سُجن وشُرد وصودرت أرضه، فإذا كنت ساكتا حينها كقسيس فماذا تكون رسالتي وقتها؟ رسالتي ستكون أن الله ليس مهتما بألمك ومعاناتك، وليستمر هذا الظلم لأن هذه ليست رسالة الكنيسة.

وأبدى اسحق اعتقاده بأن الكنيسة ستفقد مصداقيتها إذا اختارت الصمت، وأضاف: "من هنا فإن الصمت ليس اختيارا وليس خيارا لنا كمسيحيين، يجب أن نختار ونقف ونقول وندافع عن المظلوم، خاصة إذا كان المظلوم ابن رعيتنا."

وفي السياق توجهت الإعلامية غدي فرنسيس للقسيس منذر اسحق بالسؤال التالي: "كيف يمكن أن نعطي هؤلاء الصامتين الدلائل؟ كثيرا ما سمعنا عظاتك عندما تتكلم عن الصمت، وأنك لن تكون مسيحيا إذا سكتَّ عن الظلم الذي يحصل في فلسطين، لكن اليوم لا يوجد صمت فقط بل هناك تحييد كبير، وأكثر ما يؤلمني شخصياً هي بيئتي وأهلي وأصدقائي وكنيستي بمكان معين التي أنا جزء منها، فأنا أتألم كل يوم ولا أستطيع أن أنام وأعيش لأن هناك هذا الظلم الكبير، وفي ذات الوقت كنيستي لا ترى أوجاعي، فكيف سترى وجع كل هؤلاء الناس الذين بقي منهم 2 بالمئة فقط في فلسطين، كيف يمكننا أن نغير هذا الواقع وبأي دليل، فالظلم الذي نعيشه لم يغيِّر شيئا، الإعلام يتحدث والحقيقة موجودة، والناس أصبحت بمكان آخر تحت مسمى الدين، وهنا لا أريد أن أتكلم عن فئات معينة أو كنائس ولا أريد أن نُخرج موقف معادي أو أسبب لك احتكاك بشخص أو بمؤسسة، ولكن كيف يمكننا أن نرد المسيحيين والرعية أنفسهم بمعزل عن المؤسسة، كيف يمكننا أن نرد الرعية المسيحية إلى أخيها البعيد عنها، فأنت تبعد غزة عنك ساعة ونصف بالسيارة، ونحن حينما كان هناك خط حديد قبل الاستعمار، كانت غزة بعيدة عنا أقل من ساعة ونصف، فهي بلادنا أيضا، فإلى أين وصل الإنسان لدرجة أنه لا يحسُّ بآلام بحجم مجاعة وإبادة مستمرة ومتلفزة؟ فأين الضوء لهؤلاء المسيحيين في المشرق بلبنان وفلسطين والأردن ومسيحيي هذه المنطقة المعنيين بكنيسة بيت لحم، كيف يمكننا أن نوقظهم؟

منذر اسحق يستشهد بتعاليم المسيح على وجوب عدم الصمت عن الظلم في فلسطين

وأجاب قس بيت لحم الدكتور منذر اسحق بالقول: "بداية حتى أوكد على كلامك نحن شعب واحد وكنيسة واحدة، التجزئة التي صنعها الاستعمار وسايكس بيكو، جعلنا نشعر بأن هناك كنيسة في سورية وكنيسة بلبنان وكنيسة بالأردن، نحن شعب واحد وفي المشرق شعب واحد، وطبعا هناك تنوع دون شك، ولكن لا يوجد شيء أسمه مستقبل للأردن مثلا بدون مستقبل لفلسطين وغيرها، واعتقد فعلا وهذا الأمر تكلمت عنه كثيرا خلال هذه الحرب بأنه يجب علينا أن نراجع معنى الروحانية، ويجب أن نراجع فعلا كيف يكون الإنسان يتبع المسيح.

واستشهد القسيس اسحق بتعاليم السيد المسيح في إجابته مبينا أن: "الروحانية ليست طقوس صوم وصلاة فقط، بل هي كما وصفها يسوع بأنها كيف نحب القريب، وأريد أن أتكلم عن أهم التعاليم التي تكلم عنها يسوع في إنجيل متى 25، وهنا أريد أن أعظ لأنني قسيس، المسيح يتكلم أن الله سوف يفصل في يوم الديمومة بين الناس على اليمين وعلى الشمال، والمعيار الذي يتكلم عنه يسوع الذي سيتم بناء عليه الفصل فيه بين اليمين والشمال، وهنا نتفاجئ بإجابة يسوع عن هذا المعيار، لأننا متعودون أن نفصل بين الناس بالعقيدة، ونحن المسيحيين أبدعنا للأسف في خلق هذا الشيء، نحن طرف يؤمن بهذه الطريقة وطائفة أخرى تؤمن بطريقة أخرى، فأنا الصواب وأنت الخطأ، واعتقدنا أن هذا المعيار الذي بحث عنه الله، ولا أريد هنا أن أقلل من أهمية العقائد لأني لاهوتي في النهاية، لكن يسوع يفاجئنا هنا حين يقول أن الجماعة المقبولة التي يقول لهم المسيح تعالوا إليَّ لأني كنت عطشانا فسقيتموني، جائعا فأطعمتموني، عريانا فكسيتموني، مريضاً فزرتموني حتى سجيناً فزرتموني، وهنا دعونا نفكر في كلمة سجينا فمن كان مسجونا أيام المسيح! وفوق كل ذلك عندما يسألون المسيح حينها متى فعلنا ذلك؟ فيقول لهم المسيح: "متى فعلتم ذلك بأحد من أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم."

منذر اسحق: يسوع موجود اليوم في كل طفل في غزة

وأوضح الدكتور منذر بالقول: "هذا الشيء الذي كنت أقوله دائما حينما وضعت الطفل يسوع بين الركام، كي أقول بأن يسوع اليوم يقول أنا موجود في كل طفل في غزة، وكما فعلتم بأحد من إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم، هذه هي المسيحية، هذا التعليم في جوهر المسيحية، خاصة لما تم نزع الصفة الإنسانية من أهل وأطفال غزة، وأصبحوا مجرد أرقام في هذه الحرب، يُقتَلوا بأبشع الطرق، لكن المسيح كرمهم حينما يقول أنا موجود في كل طفل بينهم، والآن هو يتحدَّانا، فطريقة معاملتكم مع هؤلاء الأصاغر هي كأنكم تعاملوني.

وتابع: "فعلا أنتِ ذكرت بداية أننا نحن المسيحيين نُستفزُّ عند إهانة أي رمز ديني، لكننا ننسى أن يسوع علمنا أنه هو موجود في كل إنسان مضطهد وضحية، فالجائع والفقير والعريان في تعاليم المسيح هم رمز لكل إنسان فقير، وهو ضحية أنظمة خلقت هذا الشي (غني وفقير)، وهو ضحية كل نظام فيه غياب للعدالة.

وللإجابة على سؤالك غدي أقول إنه يجب علينا العودة لأنفسنا وأن نسأل أنفسنا ما معنى أن أكون مسيحي وما معنى الشهادة المسيحية، وكيف أستطيع اليوم أن أُظهر أني تلميذ وأتبع يسوع المسيح إذا كنت أتجاهل أهم تعاليم المسيح التي علّمنا فيها عن مصيرنا الأبدي وربطه بمعاملتنا مع الأشخاص الواقعين تحت ألم واضطهاد وظلم."

وبين الدكتور اسحق فكرته بالقول: "من هنا أعود لأتكلم عن الوعظ والشكل الذي نعظ به في فلسطين، فكرة المسيح تحت الأنقاض، لأن الرسالة التي نحاول إيصالها للعالم تنطلق بالدرجة الأولى من ايماننا بتعاليم المسيح، وفي طاعة تعاليم المسيح الذي تحدانا بقوله "فبي فعلتم"، ما يعني أن كل شيء نفعله مع الإنسان المظلوم، يتكلم يسوع بأننا نفعل به ذلك الشيء.