سد بسري

أخبار لبنان

وسط مشاكل لبنان القاتلة .. "سد بسرى" يطل برأسه

باولا عطية

21 تموز 2020 19:31

يعتبر مشروع "سدّ بسري" من أكثر القضايا الشائكة في لبنان حيث تنقسم آراء الخبراء انقساما حادا حول أهمية السد ومخاطره . 3 أحزاب في الواجهة ومن أول الأحزاب اللبنانية الداعمة للسد كان "التيار الوطني الحر"

يعتبر مشروع "سدّ بسري" من أكثر القضايا الشائكة في لبنان حيث تنقسم آراء الخبراء انقساما حادا حول أهمية السد ومخاطره . 3 أحزاب في الواجهة ومن أول الأحزاب اللبنانية الداعمة للسد كان "التيار الوطني الحر" والحزب التقدمي الاشتراكي، حيث اعتبر رئيس الحزب وليد جنبلاط في العام 2017 عندما التقى المدير الإقليمي في البنك الدولي فريد بلحاج أنّ السد "حلماً قديماً"، أما اليوم فيشن هجوما عليه وكان آخره في تغريدة نشرها على حسابه عبر "تويتر" قال فيها " إنّ إقامة سدّ بسري ضرورة من أجل تأمين المياه لبيروت الكبرى، لكن إذا كان المتعهّد هو نفسه ملتزم ردم النفايات في مكب برج حمود وغيرها من الالتزامات المشبوهة فإنّني أطالب بوقف كلّ الأعمال ومنها قطع الشجر. ما يجري يؤكّد تحقيق صحيفة الـ"New york Times" حول الفساد في مجلس الإنماء والإعمار".

و من الاحزاب المعارضة للسد يظهر في الواجهة، حزب القوات اللبنانية، حيث قال عضو تكتل الجمهورية القوية نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان، انه "علينا ان نضع حداً للتجاوزات ونحن هنا اليوم ومعنا جميع ممثلي البلدات المعنية في سد بسري لنقول للممولين له "هذا السد مرفوض ما رح يكفي وما رح نخلي يكفي"، مضيفا "المياه التي يريدون تأمينها لبيروت آتية من القرعون، ورئيس مصلحة الليطاني أكد ان البحيرة ملوثة بشكل لا يمكن إصلاحه قبل 7 سنوات".

و قال "جربتم السدود وكلفت نحو المليار دولار، فهل نجحت سياسة السدود؟ لكل السدود مشاكل كبيرة ومن المعروف ان المياه الجوفية في لبنان تشكل 3 مليار متر مكعب تحت الأرض كان من الممكن الاستفادة منها بدلاً من دفع المال لكنكم لا تريدون وصول المياه الى الناس إنما تريدون وصول الأموال الى جيوبكم".

ما هو مشروع سد بسري؟

مشروع سد بسري يهدف لدعم إمدادات المياه الذي تقوده الحكومة اللبنانية وإلى زيادة حجم المياه المتاحة لمنطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، ويمول هذا المشروع البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية والحكومة اللبنانية بمشاركة مجلس الانماء والاعمار. وكانت المرة الأولى التي يطلق فيها البنك الدولي حملة دعائيّة مدفوعة لمشروع يموّله، بعنوان: بيروت عم تعطش... وباعتبار أن 1.6 مليون فرد في بيروت وجبل لبنان سيحتاجون للمياه النظيفة بحلول 2024".

وفي احدى المقابلات التي أجريت مع المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، قال جاه أن "سد بسري سيحل مشكلة رئيسية يواجهها سكان لبنان منذ الحرب الأهلية وهي النقص الحاد والمزمن في المياه. وسيخزّن 125 مليون متر مكعب من المياه، تُملأ بشكل طبيعي في فصل الشتاء والربيع لاستخدامها خلال الصيف والخريف. ومن دون الحاجة الى عمليات ضخ، سوف تتدفق المياه إلى منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان عن طريق الجاذبية. وستمر المياه عبر نفق تحت الأرض يبلغ طوله 26 كيلومترا حيث تجري معالجتها في محطة التكرير في الوردانية قبل توزيعها عبر الشبكات التي يجري حاليا إصلاحها ضمن مشروع إمدادات المياه في بيروت الكبرى. وسيستغرق بناء السد حوالي خمس سنوات بدءا من توقيع العقد."

وأكد أنّ "السد آمن، وقد صممت الحكومة اللبنانية سد بسري وفقا لأحدث تقييم وتصميم للمخاطر الزلزالية. واستعرضت لجنة مستقلة من الخبراء الدوليين تصميم السد والدراسات الجيولوجية وأكدت أنه آمن. وهم خبراء فنيون مشهود لهم دوليا في هندسة السدود والجيولوجيا وعلم الزلازل وعملوا على سدود في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك السدود الواقعة في مناطق تشهد زلازل".

وأوضح المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي، ساروج كومار جاه، أنّه "ستصل المياه التي ستتدفق من سد بسري إلى بحيرة الجون التي ستملأ من مصادر مختلفة، وهي مياه نهر الأولي (المخزنة في بسري) وينابيع عين الزرقا وجزين وبحيرة القرعون. ستعالج مياه بحيرة الجون في محطة الوردانية المتطورة لمعالجة المياه، على بعد 30 كيلومتراً جنوب بيروت (انظر الخريطة). وسوف تتدفق المياه المعالجة من خلال الأنابيب إلى نظام توزيع المياه المحسن لمنطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، بما يكفل إمدادات مياه ثابتة وموثوقة لما يصل إلى 1.6 مليون نسمة تعيش في المنطقة. وبذلك ستصبح المياه صالحة للشرب وتستوفي معايير الشرب اللبنانية (LIBNOR NL 161) و/أو معايير الاتحاد الأوروبي (98/83/EC). وسترصد نوعية المياه في بحيرة الجون، وأيضاً عند خروجها من محطة الوردانية لمعالجة المياه لضمان نوعيتها. "

الحملة الوطنية للحفاظ على سد بسري تقف في المرصاد

في المقابل تشن الحملة الوطنية للحفاظ على سد بسري هجوما عنيفا ضد السد واصحابه اذا ذكرت في اكثر من بيان ومؤتمر وتحرك أنّ "مشروع سد بسري لا يستوفي شروط السلامة العامة بسبب وقوعه على ملتقى فالقين زلزاليين نشطَين، فالسد سيجمع نحو 125 مليون متر مكعب من المياه، على ملتقى فالقي روم وبسري، علماً أن الأول سبّب الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1956 ودمّر 6 آلاف منزل ، إضافةً إلى أضراره الجسيمة على الغابات والأراضي الزراعية والمواقع الأثرية الواقعة بين الشوف وجزّين. اذ سيدمّر 6 ملايين متر مربع بين الشوف وجزين، بينها أراضٍ زراعيّة وأحراج صنوبر وسنديان، ومرج بسري الذي يشكّل امتداداً لمحميّة أرز الشوف، بحسب الخطة اللبنانية لترتيب الأراضي، وهو ثاني أهم موئل للطيور المهاجرة بعد مستنقعات عميق.

ويهدّد السد بدمار نهر الأوّلي اذ يؤثر المشروع في مجرى نهر الأولي الذي كان يغذّي منطقة صيدا وبنقل المياه المسرطنة إلى بيروت وجبل لبنان من بحيرة القرعون، وسيؤدي الى زيادة الدين العام للدولة اللبنانية. وذكر البيان ان المشروع يخالف توصيات اللّجنة العالميّة المعنيّة بالسدود واتفاقية باريس للمناخ التي وقّع عليها لبنان. كما يخالف المشروع توصيات المجلس الوطني للبحوث العلمية الصادرة سنة 2015 ودراسة التقييم البيئي الاستراتيجي لخطة المياه، إضافةً إلى مخالفته الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية التي تصنّف مرج بسري كأحد أهمّ المواقع الطبيعيّة في لبنان.

وعن ذريعة توفير سد بسري حلاً لمصادر المياه في بيروت الكبرى، يقول منسّق الحملة الوطنيّة للحفاظ على مرج بسري، رولان نصّور، بأن "نبع جعيتا هو المصدر الأول للمياه في بيروت الكبرى، غير أن قناة جعيتا - ضبية تلامس فيها نسبة الهدر الـ40%. وبدلاً من التفكير في إصلاح الشبكة الموجودة وتحسينها، يتّجهون إلى إنشاء المزيد من السدود، وقد بلغ عددها إلى البرك الجبليّة 45 في لبنان، مشرا الى وجود دراسات حديثة يجري تجاهلها، بينها دراسة الـUNDP (برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في لبنان) عام 2014، التي أشارت إلى أن 80% من مياه لبنان موجودة في الخزانات الجوفيّة"، وهذا يخالف الاعتقاد السائد بأن الخزانات الجوفيّة مستنزفة في لبنان، وأن المياه باتت مالحة.

الحكومة مستمرة بالمشروع وامام هذا الكم من الأفكار والآراء المتناقضة أُنجزت المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع سد بسري قبل توقف كل الأعمال المتعلقة باستكماله بعد الاحتجاجات التي نظمتها جمعيات وهيئات بيئية ووطنية وتمكنت من خلالها من الدخول إلى مرج بسري ونصب الخيم وإجبار المتعهد على وقف الأعمال وسحب آلياته من الموقع بعد 17 تشرين الأول الماضي.

وعاد السد إلى الواجهة بعد التصريح الأخير لوزير الطاقة والمياه ريمون غجر، الذي كشف فيه أن ممثلين عن البنك الدولي وجهوا كتاباً إلى وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار بضرورة الإيعاز إلى المتعهد بمعاودة الأعمال في استكمال بناء السد خلال أسبوع واحد وإلا فإن البنك سيسحب التمويل، وأن وزارة الطاقة طلبت من المتعهد العودة إلى موقع بسري مع مؤازرة أمنية. وأدرجت الحكومة على رأس جدول أعمال جلستها الأخيرة بند "زيادة تغذية منطقة بيروت الكبرى بالمياه".

وأقرّت بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون، الاستمرار بمشروع سدّ بسري "نظراً إلى أهميته الإستراتيجية في تأمين المياه لمنطقة بيروت الكبرى"، بحسب ما جاء في مقرّرات الجلسة. البند تضمن الموافقة على الحصول على قرض إضافي من البنك الدولي (مموّل المشروع) بقيمة 625 مليون دولار لإنشاء السد والخزان المائي في مرج بسري.

وسط ذلك، يطرح الكثير من المراقبين للوضع العام اللبناني تساؤلاً عن الأولوية التي يشكلها بناء السد في المرحلة الحالية، التي يعاني فيها الاقتصاد اللبناني من الانهيار.

النهضة نيوز