الشاب المغدور حسن محمد درغام

أخبار

وطن الأرز .. البلاد التي تقتلع وردها

يوسف فارس

20 تموز 2020 22:59

طالما كانت لبنان في الوعي العربي تمثل دائرة التناقض التي لا تقود إلا إلى الجمال الطبيعة الساحرة المشاعر الدافئة المتناقضات البائنة وأيضا النساء الجميلات هي البلاد الوحيدة التي يمكن أن تذكر

طالما كانت لبنان في الوعي العربي، تمثل دائرة التناقض التي لا تقود إلا إلى الجمال، الطبيعة الساحرة، المشاعر الدافئة، المتناقضات البائنة، وأيضاً، النساء الجميلات، هي البلاد الوحيدة التي يمكن أن تذكرها في مقابل عشرة أشخاص يمتلكون جنسية واحدة وديانة واحدة ، وتعني في ذهن كلِ واحد منهم شيئاً مغايراً للآخر، تصور مثلاً أني ذكرت لبنان أمام طفل مصري موهوب؛ سيقفز إلى ذهنه سريعاً: نانسي عجرم و آرب كيدز، وإذا ما ذكرتها على مسمع مسنٍ أردني، سيقول لك: فيروز وقهوة الصباح.

وأمام فلسطيني، سيتذكر حزب الله وحرب تموز، وأمام فتحاوي، سيتذكر حصار بيروت وقلعة شقيف، وأمام سعودي سيتذكر بارات لبنان وشارع الجميزات، أمّا أمام لبناني، فلن يتذكر أيٍ من هذا، هو سينظر من حوله بكل تأكيد، ويرى الفساد، وأزمة الكهرباء والقمامة، الطائفية والفلتان الأمني، أزمة الليرة والاستغلال والاحتكار، وسيغص ناقماً على واقعه، وعلى سنوات عمره التي تهرب من بين يديه سدى.

في عام 2014، قُدر لي أن أزور بلاد الأرز، وأن أتنقل عبر "موتسيك" بين متلازمتي الجنة والنار، ولا أقصد هنا، انتقالي بين مخيم برج البراجنة - الذي جلست باكياً على احدى عتباته-  إلى منطقة الداون تاون في بيروت، كما أني لا أقصد تنقلي عبر الحضارات، بين قرى الجبل وشوارع الضاحية، ولا أيضاً بين تمام النور في شارع الحمرا، وضجيج المولدات في الغبيرى، كل ذلك، لا يعني لي شيئاً، تلك، نسخة كربونية من واقع مماثل، موجود في غزة، والقاهرة، وحتى في باريس.

لكن، أكثر ما يشغل البال، هو أنك قد تزور الجنوب، وترى أن ثمة قصوراً بنيت على أسفح الجبال العاليات، لا يسكنها سوى نواطيرها، تُرى أين سكانها؟، ستير أكثر، وترى الكثير من تلك البيوت الأخاذة، سيحل عليك الظلام في قرى الجنوب، وترى أن تلك البيوت لا يسكنها سوى "صراصير الليل"!، اتقتلك الحيرة؟ سيخبرك صديق مسن بالحكاية: "تلك البيوت الفارهة، بناها أصحابها، لكي يزورها مرة في العام، أو قد لا يزورها طوال عامين مطلقاً" ولكن أين هم؟
- "تحصلوا على جنسيات ووظائف في دول أمريكا اللاتينية وأوروبا، واستقروا هناك، وحينما يقرصهم الحنين، يبرؤون شوقهم في تلك البيوت، شهراً أو أسبوعاً ويعودون إلى مهجرهم الذين أضحى وطنا".


- ولكن لِمَ؟ أتساءل أنا، بملء الفم، بملء العقل، وأنا الفلسطيني، الذي يشتهي جزءً من وطن، وشِقاً من حلم؟
لماذا قد يترك واحداً من سكان ذلك البلد الجميل، بلاده، ويذهب مطارداً وطناً في شرق العالم أو غربه؟
ستكون الإجابة عليك، أيسر لو أنك جربت "بلاد فيروز" للإقامة والحياة، لا للسياحة والزيارة .. ترى بماذا يمكن أن يخبرك صديقك اللبناني الذي يفكر بالفرار، بالفساد الذي تحميه الطوائف، أم بالطوائف التي تحمي الفساد، أم بعشرات الكتل والأحزاب التي تخوض حرباً لتدمير البلاد؟
ما الذي يدفع لبنانياً للفرار؟ تريد أكثر؟ ثمة أزمة كهرباء تجاوز عمرها عمر صخرة الروشة، وهناك مشاريع خارجية للاستثمار في بناء محطات الطاقة النظيفة، واحد إيراني، وآخر صيني، وثالث ياباني، إذا، لماذا لا تحل الأزمة، ببساطة مثيرة للسخرية، لأن حل الأزمة يضرب تجارة مستهلكات مولدات الإشتراك، مازوت وقطع غيار، ووو التي تدر ملايين الدولارات على واحد من حيتان هذا البلد؟
تريد أكثر؟ في بلاد الأرز يا عزيزي، يمكن أن تعيش على هامش الدنيا، وعلى هامش الموت أيضاً، يوم أمس مثلاً، اختطفت طلقة طائشة، شاب بعمر الورد، بعمر الزهر، هو ابن أخ ناشر موقع "النهضة نيوز" ندى درغام، ببساطة، جاءها الخبر، حسن محمد سعيد محمد درغام، قتل، بعيار ناري أصاب رأسه؟

ستكثر التفاصيل، والأقاويل عن الطريقة التي قضى بها حسن، ستقسم ندى بكل الأديان السماوية، أنه لم يؤذ يوماً قطة، وستزعم مواقع أخرى، أنه  لم يكن يحمل سلاحاً، وستكشف كاميرات المراقبة ذلك، لكن الإعلام يحيك روايته لمن يدفع أكثر،  ابن الوحد وعشرين ربيعاً، قضى، وقد كان لديه أمنيات كثيرة، بحياة ملؤها السلام، والحب والطمأنينة.

بلاد الأرز، لم تعد بلاد فيروز التي تغني "الحلوة دي آمت تعجن بالفجرية"، لم يعد صياح الديك يؤنس المبكرين إلى أعمالهم، وصوت الرصاص الطائش، غطى على صوت الناي، بلاداً تقتلع وردها، تقتل شبابها، تهدم عامود بقائها.

فريق موقع "النهضة نيوز" في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن، يتقدم بأسمى آيات التعازي والمواساة، من مديرة الموقع، ندى درغام، بوفاة ابن اخيها المأسوف على شبابه، حسن محمد درغام، وتتمنى أن يلهم ذويه الصبر والسلوان.

 

 

النهضة نيوز - بيروت