أخبار لبنان

الأخبار: المنظمات غير الحكومية في لبنان حكومة بديلة من أدوات القوة الناعمة

10 كانون الثاني 2022 08:58

تحت عنوان ذخائر الحرب الناعمة، أعلنت صحيفة الأخبار اللبنانية عن تخصيص قسم خاص لتتبّع أخبار ونشاطات صناديق المنظمات غير الحكومية التي تتصرف كما لو أنها حكومة بديلة وإن كانت غير منتخبة.

حيث أوضحت الصحيفة بأن انتشار ظاهرة المنظمات غير الحكومية الممولة من صناديق معظمها أوروبية وأميركية تغذّيها أموال حكومات أو أفراد أو القطاع الخاص في هذه البلدان قد بدأ في لبنان منذ سنوات، وتقوم هذه المنظمات في أغلب الأحيان بخدمات تملأ فيها الفراغات التي تتركها الدولة اللبنانية المتلكّئة عن القيام بمسؤولياتها، تفاقمت هذه الظاهرة إثر أزمة النزوح السوري وشهدت أخيراً مراحل من التسارع في الانتشار، بخاصة في ظل الانهيار الاقتصادي وعقب انفجار مرفأ بيروت، عطش لبنان للعملة الصعبة جعله يقبل بأي دولار قادم بلا حسيب أو رقيب وإن كان على حساب سيادة الدولة ونفوذها، ووصل به إلى حدّ أن هناك صناديق لها القدرة على صياغة السياسات وتحديد الأولويات أكثر من الدولة نفسها.

وأضافت: تماماً كما الحكومة اللبنانية لا تبدو صناديق الحوكمة الرشيدة ونشر الديموقراطية معنية بالرقابة ولا بالمساءلة، أقلّه محلياً، إذ إن قراراتها غير معنية بآليات الحكم في لبنان، لكن كون هذه الصناديق ذات تأثير كبير على السياسات المتبعة والقوانين المقرّة في لبنان، فلا بدّ من أن نتعامل معها، في «الأخبار»، على أنها سلطة من السلطات الموجودة في البلد، خصوصاً أن بعضها قرّر خوض غمار الانتخابات النيابية، علناً أو سرّاً.

ولفت الصحيفة إلى أن المرحلة التاريخية المسمّاة الحرب الباردة انتهت مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، خريطة العالم الجيوسياسية تغيّرت بشكل بارز في تسعينيات القرن الماضي، إذ باتت محكومة بهيمنة القطب الأوحد، لم تغب الحروب المشتعلة بعد انتهاء الحرب الباردة، إذ تمت تصفية حسابات في أكثر من منطقة في العالم وأبرزها في عالمنا العربي، لكن الحقبة التاريخية التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي شهدت توسّعاً كبيراً لما يسمّى بالقوة الناعمة للولايات المتحدة بدءاً من دول الاتحاد السوفياتي السابقة ودول الكتلة الشيوعية وصولاً إلى كافة أرجاء المعمورة، لم تنشأ أدوات القوة الناعمة في حينها، إذ كانت تستخدم من قبل. لكن سياسة الولايات المتحدة الخارجية شهدت توسعاً في استخدامها بعدما رأت فيها القدرة على النجاح الاستراتيجي بكلفة قليلة نسبياً. أول من استخدم مصطلح القوة الناعمة كان جوزف ناي من جامعة هارفارد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وشرح مفهوم القوة الناعمة على أنّه التمكّن من جعل الدول الأخرى تريد وتطلب ما تريده الدولة الممارسة للقوة الناعمة منها بدلاً من إجبارها على ذلك بالقوة، لكن كما برودة الحرب الباردة، فإن نعومة القوة الناعمة مدمّرة جداً وقد تكون دموية عند الحاجة.

وبينت الصحيفة بأن أدوات القوة الناعمة ترتكز على الإغراء والإقناع، لكنها تهدف في نهاية المطاف إلى تغليب مصالح من يمارسها على تلك التي تخص من تمارس عليهم القوة وإن كانوا مقتنعين بالعكس. إنها أدوات لتكريس هيمنة سياسية واقتصادية وثقافية تكون فيها اليد الأعلى دائماً للمهيمن، سنتطرّق إلى تفاصيل هذه الهيمنة على مراحل. إذ إن تأثيراتها مرئية بشكل جليّ في بلد مثل لبنان على كافة المستويات، والمشروع اللبناني منذ تأسيسه كان يفترض أن يكون مثالاً ناجحاً عن إنجازات القوة الناعمة الاستعمارية ليتمثّل فيه محيطه ويسعى لتقليده إبان تفكك الدولة العثمانية. لكن لندع التاريخ جانباً للحظة ونقفز إلى الحاضر. فهيمنة واشنطن السياسية والاقتصادية والثقافية متجذّرة، وحربها «الناعمة» لإبقاء الوضع على ما هو عليه مستشرسة في ظل صعود قوى عالمية أخرى تنافس هيمنتها، من كازاخستان التي تتوسط غريمتي الولايات المتحدة الكبريين، روسيا والصين، إلى كوبا الجزيرة العنيدة المتاخمة لولاية فلوريدا، شهدت الأشهر القليلة الفائتة دعوات «شعبية» تطلب من حكوماتها أن تمتثل لسياسات القويّ الناعم. الشعارات ليست بهذه الصراحة، بل تتلطى خلف شعارات أكثر قابلية للرواج كالحرية ومكافحة الفساد، وإن كانت المعارضة الكوبية أكثر صدقاً في تعبيرها عن معاداة نظام الحكم الاشتراكي في كوبا، هذه ليست المرة الأولى التي تتحول القوة الناعمة للولايات المتحدة الأميركية إلى تظاهرات شعبية مطالبة بقلب الحكم وجعله متماهياً أكثر مع سياسات واشنطن وحلفائها الغربيين. ثورتا أوكرانيا وجورجيا منذ ما يقارب العقدين من الزمن أهم مثالين عن هذه المحاولات ونجاحهما شجّع واشنطن على المضي في نموذج الثورات الملونة في أكثر من مكان.

ووفق الصحيفة فقد أدّى الملياردير المجري الأصل جورج سوروس، عبر منظمات غير حكومية، هذا الدور بنجاح في أوروبا الشرقية خدمة للسياسة الخارجية الأميركية، ما كرّس هذه القناة ركيزةً معولمة لنشر الأيديولوجيا النيوليبرالية التي تحبذها الإمبراطورية، كما كرّست هذه التجربة سوروس جناحاً غير حكومي في السياسة الخارجية لواشنطن يقدّم خدماته حول العالم وفي أكثر من مجال، سوروس ليس أوّل الوكلاء غير الحكوميين للإمبريالية ولا آخرهم، لكنّ اسمه بات مرتبطاً بهذا النشاط أكثر من غيره ممن يقومون بأدوار مشابهة بعيداً من الأضواء، آخر خدمات سوروس لواشنطن كانت الهمروجة الإعلامية التي رافقت تسريب الوثائق المسماة «وثائق باندورا» قبل أشهر، المنظمة التي تولّت تنسيق نشر التسريبات من واشنطن مموّلة من سوروس، كما عدد كبير من الشركاء الذين نشروا ما وصلهم، أبرزهم «مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد» الذي انطلق من أوروبا الشرقية قبل التوسع باتجاهنا وصوب آسيا الوسطى، الهدف من كل ذلك لم يكن إلا مكافحة التهرب الضريبي خدمةً للخزانة الأميركية.

في لبنان، هناك مليارات الدولارات مصدرها صناديق التمويل «الناعمة» التي صرفت وتصرف على آلاف المشاريع التي تقوم بها جهات غير حكومية، هذه الأموال قد تحدّد سياسات ما وفقاً لمصالح لا تتوافق بالضرورة مع خيارات الشعب، وهي فعلت ذلك في أكثر من مرة، كما أنها قد تحدّد أولويات الخطاب الإعلامي في مرحلة أو قضية ما من دون أن يُعرف من قرّر هذه الأولويات، إضافة إلى ذلك، تغلغلت أموال هذه الصناديق إلى قلب مؤسسات الدولة بحجة تدريب من هنا ودعم من هناك، ولا يقتصر هذا التغلغل على المؤسسات التربوية والصحية والغذائية والتنموية والخدماتية بل وصل إلى أماكن حساسة في المؤسسات الأمنية والعسكرية.

هذه الصناديق «المعطاءة» التي تؤمّن الاسترزاق لكثيرين حول العالم، تساهم أيضاً في خلق شريحة شعبية تعتاش من الارتزاق وتتماهى مصالحها مع مصالح صاحب قرار التمويل الذي قد لا تتناغم أولوياته مع أولويات الشعوب، نقول قد لا تتناغم افتراضاً لحسن النية لدى بعض هذه الصناديق، وإن كان ذلك يتناقض مع مفاهيم التحرّر من الاستعمار والسيادة.

المصدر: الأخبار اللبنانية