ندوة في طرابلس بمشاركة الجلاد والضحية .. هزة نفسية للحضور أدمعت الأعين

أخبار لبنان

إيناس كريمة تنتقد وجود عدد من المسؤولين اللبنانيين في ندوة طرابلس عن مخاطر الهجرة غير الشرعية

14 شباط 2023 14:09

لفتت الصحافية اللبنانية إيناس كريمة إلى أن الندوة التي نظمتها منظمة "أكوا فوندايشن" في مدينة طرابلس بالتعاون مع منصة "جسور" الإعلامية، بشأن مخاطر الهجرة غير الشرعية، قد شكلت "هزّة" نفسية للحضور أدمعت الأعيُن.

وفي مقال لها على موقع لبنان24 حمل عنوان "زلزال من نوع آخر في طرابلس: الجلاّد يحاضر بالضحية"، أفادت كريمة بأنه قد جرى عرض لوثائقي تضمن توثيقاً لحادثة غرق المركب اللبناني وسقوط الضحايا، وقد شارك في الندوة عدد من الوزراء والنواب وممثلون عن المرجعيات الدينية بالإضافة إلى فاعليات اقتصادية وثقافية واجتماعية وإعلامية، وجرى تسليط الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية في حوار بين مجموعة من المتخصصين وبعض أهالي الضحايا والناجين من "الهروب القاتل".

وبينت الصحافية بأن الوثائقي الذي تم إعداده بحرفية كتابةً وإخراجاً، قد تناول في المضمون، مختلف جوانب عملية الهجرة غير الشرعية والخلفيات التي دفعت بشريحة من أبناء الفيحاء إلى هذه المخاطرة المروعة بأرواحهم، إذ ضمّن الصحافي أسعد بشارة الوثائقي مشاهد تُعرض للمرة الأولى، عطفا على ترابط منظّم في عرض الأحداث والملابسات.

وفي المقابل، تميز المؤتمر بتنظيم عالٍ أظهرت فيه "Acua" قدراتها النموذجية في الحوار التفاعلي، وذلك في مشهد إعلامي قلّ نظيره في السنوات الأربع الأخيرة، أي منذ بداية الأزمة، فأتت المؤسسة لتفتح متنفساً شارك في صناعته إعلاميون من الوسائل الإعلامية كافّةً.

واعتبرت اناس كريمة بأنه مما لا شك فيه أن تسليط الضوء على هذه المأساة التي جرى تمييعها، ربما، بفعل تراكم الأزمات وتوالي الأحداث في لبنان، بدا خطوة مهمة جداً، سيما وأن جرح أهالي الضحايا لم يندمل بعد، في ظل ما اعتبروه "تقاعساً من قبل السلطات المختصة" التي لم تعمل بشكل جدي على ملاحقة "تجار البشر" ومقاضاتهم، بحجة تواريهم عن الأنظار، ولم تسعَ لردعهم عن امتهان "الموت" عبر المراكب غير الشرعية وسيلةً لعيش فاخر، غير أن مشاركة بعض النواب في الوثائقي ظهر وكأنه صك براءة لهم من بؤس هؤلاء وحرمانهم الأعمى الذي دفع بهم نحو الهلاك على مبدأ "نحن أموات على قيد الحياة"!

وأوضحت كريمة بأنه منذ الفاجعة الأخيرة، في العام المنصرم، والتي سميّت آنذاك "ليلة الشمال الحزينة"، لم نسمع سوى استنكارات المسؤولين وتعازيهم الحارة لذوي "ضحايا الظلم والجوع"! ولكن من يا ترى يقف خلف كل هذا الظلم؟ وأي قوة أوصلت الضعفاء الى هذه المرحلة المتقدمة من الفقر والعوز والجوع؟ أنا؟ أنتم القراء؟ نحن المواطنون؟ أم القوى السياسية المعنية بمعاناة المواطنين والمنشغلة بالمناكفات السياسية وعرقلة خطة التعافي لحساباتها الشخصية، والتي لم تدعم كل الاقتراحات الجدية للحد من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الحاصل والذي أفقد المؤمن إيمانه والعاقل صبره بعدما سلبه كرامته وعيشه الكريم؟

وسألت الصحافية كريمة: كيف يُكرَّم هؤلاء المسؤولون في وثائقي يجسد الوجع واقعاً؟ وكيف يتحدثون مرتاحي الضمير ويتراشقون التهم ويحملون الحكومة اللبنانية الحالية التي تسلمت مبادرة الحكم في أقسى الظروف وأشدها حساسية وخطورة، ما اعتبر آنذاك "انتحاراً" في سبيل عبور الوطن الى بر الأمان، تبعات كل الأزمات والمخاطر التي تواجه اللبنانيين في كل لحظة من أيامهم؟!

وأشارت إلى أن الندوة بجهود ““منظمة أكوا" لطالما شكلت صرخة ضمير بوجه المتخاذلين الذين انساقوا طوال سنوات طويلة خلف سياسات خاطئة "هزّت" أركان التوازن الاقتصادي والاجتماعي حتى انهارت قواعده وهُدّت على رؤوس اللبنانيين. فأي هزة أرضية بعد كل ما جرى في هذا الوطن وأي زلزال؟!

وأضافت كريمة بأن الندوة بكاملها لعلها لم تترك أي مجال للانتقاد، ولم تُخفق في مكان يجعلك "ترفع القلم" لتصويب الاتجاه، ولكن يؤخذ عليها ثغرة تُحسب من وجهة نظري مقارنة بالواقع الشعبي الراهن وحجم المصاب الأليم، حيث أنه بمجرد دخولك الى قاعة المسرح في مركز الصفدي الثقافي- طرابلس، ومع إدراكي لقواعد "البروتوكول" واللياقة الاجتماعية، حتى تجد المقاعد الأمامية حُجزت "للجلاد"! هنا مقعد الوزير فلان، وهناك مقعد النائب "علّان" ورؤساء البلديات وكل الشخصيات المعنية بهول الكوارث الحاصلة في لبنان، أما المواطنون، "الضحية"، الذين يصرخون قهراً وظلماً وموتاً فيجلسون في المقاعد الخلفية ينصتون إلى خطابات التنظير وبعض النصائح والإرشادات والوعود الرنانة التي لا تسمن ولا تغني! "ياخي ألا تخجلون"؟

وخاطبت الصحافية كريمة المسؤولين بالقول: لا كلمة لكم أمام أوجاعنا وحرقتنا وحسرتنا على مستقبل ضاع أمام أعيننا، على أولادنا الذين اختاروا الغربة مرغمين ليبدأوا حياتهم من الصفر، تلك الحياة التي بذلنا في سبيلها تضحيات كثيرة، وأضعنا من سنواتنا أكثر وشقينا وتهاونّا وتعرضنا للإهانة حتى نؤمّن لهم أماناً يضمن لهم غدر الايام، ثم فارقونا! لا كلمة لكم أمام حرماننا من فلذات أكبادنا سواء بالهجرة او الموت، ومنعنا من أبسط حقوقنا في وطن لم يحنّ فيه أحد علينا لا أهل ولا أشقاء ولا حتى غرباء! ولماذا هُمّشنا الى هذا الحد؟ ولماذا أُبعدنا عن خارطة الحياة؟ ولمَ هذه الحياة لا توهب لمن يستحق؟!

وتابعت قائلة: أنتم في الخلف ونحن في الأمام، نحن الحق وأنتم الباطل، نحن الصدق وأنتم الكذب بكل أشكاله وألوانه، نحن الأمان وأنتم الخوف والرعب والهلع، نحن الإيمان وأنتم الكفر، نحن الإنسان وأنتم كل معاني الجشع! فتوقّفوا أمراً وليس لطفاً عن مواساتنا، توقّفوا عن إرشادنا، توقّفوا عن خداعنا… بالله عليكم توقّفوا وأخرسوا النفاق فيكم ولو حتى ساعة!!

وأكملت كريمة: شكرا منظمة "أكوا" على إيلاء أهمية لهؤلاء المعنّفين من ظلم الطغاة، نعم طغاة، فأنتم عثتُم في لبنان فسادا وعبثتم بكل ما نملك…. وآخر ما نملك كانت أرواحنا!

وختمت الصحافية اناس بالقول: أخيرا، وليس آخراً، رخيصون نحن، نعيش على هامش الحياة مجرد أرقام، نموت شهداء المحاصصات، شهداء الصفقات، شهداء التسويات، شهداء التفجيرات، شهداء الفقر والجوع والحاجة، شهداء التقصير والإهمال. وهذا الدم برقبة كل الحُكّام… كل الحُكّام!!