أردوغان أردوغان
يبدو الميدان الليبي ساحة جديدة لتصفية الحسابات الإقليمية فالبلاد التي دمرتها أحداث ما يسمى الربيع العربي تمثل ميدانا لأطماع العدد من القوى الفاعلة في خريطة المنطقة فبينما يلقي الرئيس الترك


يبدو الميدان الليبي ساحة جديدة لتصفية الحسابات الإقليمية، فالبلاد التي دمرتها أحداث ما يسمى "الربيع العربي" تمثل ميداناً لأطماع العديد من القوى الفاعلة في خريطة المنطقة.

فبينما يلقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل ثقله لبسط سيطرته على الأرض، دعماً لحكومة فايز السراج، المعترف بها دولياً والموالية لمشروع الإسلام السياسي، تبدو كلاً من مصر والإمارات، في حالة مواجهة حقيقية مع المشروع التركي القطري في البلاد، ليس فقط لأن ليبيا تشكل عمقاً جغرافياً تربطها مع مصر حدود شاسعة، لكن، لأن علاقة أطراف المواجهة هناك، تحكمها مفاعيل أكثر شرخاً من ذلك.


مشاريع متقابلة

لنعود إلى البداية، فقد شكلت أحداث تونس التي أفضت إلى هروب زين العابدين بن علي مطلع العام 2011، نقطة تحولٍ في الواقع التقليدي الذي حكم واقع المنطقة العربية، فقد امتدت تلك الأحداث التي أطلق عليها "الربيع العربي" إلى بلدان بقيت تعيش حالة استقرار في النظم الحاكمة لمدة طويلة، وواحدة من أهم تلك الدول، كانت مصر، التي أذنت أحداث تونس، إلى تفجر (ثورة) مماثلة فيها، أفضت في 25 يناير من العام ذاته، إلى تنحي الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم، وصعود نجم الإسلام السياسي، الذي تمثله جماعة الاخوان المسلمين، التي سمحت لها الثورة بتصدير مشروعها الذي بقي يختمر لأكثر من 70 عاماً.

دقت سيطرة المشروع الإخواني في مصر، ناقوس الخطر، فبالنسبة لدول مثل الامارات والسعودية، يمثل نجاح التجربة المصرية دافعاً يذكي طوفان التغيير، وأي كانت ملاح ذلك التغيير، فهو أمر مرفوض من القوى التقليدية التي تحكم تلك البلدان.

عام واحد مضى على تولي الرئيس الراحل محمد مرسي لمقاليد الحكم، كانت الدولة العميقة في مصر، مدعومة من حلف بدأت ملامحه تتشكل حديثاً، وترأسه الإمارات، هذا الحلف استطاع بسلاسة بالغة، عزل "مرسي" وإعادة مشروع الاخوان المسلمين، الذي ركب موجته الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى نقطة الصفر.

كانت تركيا الذي بدأ يشعر رئيسها بأنه الأوفر حظاً لقيادة المنطقة، قد تعرضت لضربة تحت الحزام، فخروج القاهرة من مناطق نفوذه، حطم آمالاً كبيرة كان قد بناها في البلاد التي تتحكم بلا ريب، بمفاصل التوجه السياسي العربي، ولعله من حقنا أن نزعم: "أن من يسيطر على القرار المصري، لا يسيطر على النبض العربي فقط، إنما يتحكم بمستقبل الشرق الأوسط برمته"، وفي ذلك، يمكن أن نسوق الفارق الذي أصاب المنطقة العربية عندما انتقلت مصر من الحقبة الملكية إلى الثورية، ومن الناصرية إلى الساداتية (تولي أنور السادات رئاسة مصر بعد جمال عبد الناصر ونقله مصر من المعسكر السوفيتي إلى الأمريكي، ثم توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل).

خاص فيديو: حرب إقليمية في ليبيا .. الجيش المصري يستعرض مدرعاته وتركيا تجهز "المرتزقة"

وبعد سنوات من السقوط المدوي لحكم الإخوان المسلمين في مصر عام 2013، أغرت التجربة الإمارات، بمحاولة استنساخ الحدث، ولكن، ليس في منطقة تشهد تطاحناً على النفوذ، إنما في بيت السلطان العثماني نفسه، ففي عام 2016، نفذ عدد كبير من الجنود والضباط الأتراك، محاولة انقلاب عسكرية فاشلة على الرئيس أردوغان، حينها، توجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى مصر والإمارات، ووصلت المواجهة بين المشروعين إلى "كسر العظم"، وبعد هدوء الأمواج الهادئة هناك، كانت ليبيا تدخل أولى مراحل الاستقرار الذي تمثل بتصدير حكومة اخوانية معترف بها دولياً هناك، تلك الحكومة التي لم تعجب بالضرورة الحلف الاماراتي المصري، وساقتهم إلى محاولة اسقاطها، حينها تدخل أردوغان لمنع تكرر التجربة المصرية.

 

 ماذا يريد أردوغان من ليبيا؟


لتقديم إجابة على هذا التساؤل، ينبغي التنويه، إلى أن المكتسبات التي تحققها الدول الطموحة من توسيع نفوذها، تتجاوز ما يمكن أن تستخرجه من نفط ومعادن وثروات، إلى ما هو أبعد من ذلك، ففي الحالة الليبية، ثمة فراغ سياسي، يتطاحن الجميع على الظفر به، انطلاقاً من فكرة زيادة كتلة التحالفات والأنظمة الحاكمة.

ولعل أكثر من يدرك ما تعنيه فكرة توسيع النفوذ، بالمعني السياسي والثرواتي هو الرئيس التركي، الذي دفع بأكثر من ثلث جيشه، في المعركة السورية، في محاولة تحصيل سيطرة تضمن له تقديم مواقفاً أكثر تقدماً في الساحة الدولية، إذا ما حدث ما تمنى العالم وسقط الرئيس السوري بشار الأسد.


أما الإمارات ومصر، فإنها تقف على النقيض من المشروع الأردوغاني، فالعداء السياسي يغلفه عداء تنافسي، كل الأطراف تريد أن تثبت للولايات المتحدة الأمريكية أنها الأكثر حصة ونفوذاً في المنطقة، فبعد خروج السعودية من سباق السيطرة على تمثيل العالم العربي، وتنحيها لصالح الدور الإماراتي الصاعد، تجد مصر والإمارات نفسها في مواجهة تقليدية مع الخصم القطري المتسلح بالقوة الإقليمية لتركيا.

 

النفط مهم أيضاً

نعم، مصر والإمارات وتركيا يريدون النفط، وإلى جانب التحدي الأمني الذي يمكن أن تشكله السيطرة الكاملة لحكومة السراج على الأراضي الليبية، فإن كل الأطراف المتصارعة تريد النفط، فقد ترك الناتو الأراضي الليبية الغنية بثرواتها البكر، "نٌهبا" للدول التي تسطيع أن تثبت سيطرتها، أردوغان مثلاً، أعلن بشكل صريح أن لبلاده مطامع نفطية في ليبيا، وتكلم بلا أية مواربة، عن أهمية معركة سرت، لأنها تمثل بوابة النفط والغاز الليبي.

ففي محصلة الأمر، الذي يملك الثروات، يستطيع أن يمول توسعه نفوذه، ويبدو النفط والغاز هنا، هو الوقود الذي يحرك عجلات الدبابات ومواكب السياسيين أيضاً.



 

 

النهضة نيوز - بيروت