كيف استغل هتلر فشل محاولة انقلاب قاعة البيرة لتعزيز نفوذه السياسي؟

منوعات

محاولة انقلاب قاعة البيرة: البداية الحقيقية لطريق هتلر نحو السلطة

22 حزيران 2024

بعد مرور قرن على محاولة انقلاب قاعة البيرة في ميونخ، يشرح فرانك ماكدونو كيف حول أدولف هتلر هذا الفشل الدموي إلى انتصار سياسي.

ما هي تفاصيل محاولة انقلاب قاعة البيرة؟

في 8 نوفمبر 1923، دخل أدولف هتلر إلى قاعة شرب البيرة، وقفز على كرسي، ومن ثم أطلق رصاصة في السقف، وصرخ في وجه جمهوره المذهول: "لقد بدأت الثورة الوطنية، القاعة تحت سيطرة 600 رجل مسلح. لا يُسمح لأحد بالمغادرة."

كانت هذه البداية الدراماتيكية تشير إلى بداية فصل مهم في حياة هتلر المبكرة، وقد كان هدفه من محاولة انقلاب قاعة البيرة في ميونخ، هو الاستيلاء على ميونخ واستخدامها كقاعدة للإطاحة بجمهورية فايمار، لكنه لم يكن يعلم وهو يقف على الطاولة أن "ثورته الوطنية" كانت على وشك الانهيار.

لماذا وقعت محاولة الانقلاب في قاعة بيرة؟

اختار هتلر مكان الانقلابBürgerbräukeller، وهي قاعة بيرة كبيرة في وسط ميونخ – لسبب وجيه. ففي تلك الليلة من نوفمبر، كان من المقرر أن يلقي غوستاف فون كهر، مفوض ولاية بافاريا، خطاباً أمام مسؤولي حكومة ميونخ.

إلا أن هتلر، الذي كان زعيم حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني (المعروف تاريخياً بالنازيين) منذ يوليو 1921، قرر اختطاف هذا الاجتماع للإعلان عن "مسيرة إلى برلين"، حيث خطط لتنصيب نفسه كقائد لألمانيا، خاصة وأنه كان قد فاز بالفعل بدعم قائد الحرب العالمية الأولى الجنرال إريش لودندورف، وافترض أن كهر والمؤسسة البافارية سيدعمونه أيضاً.

ما لم يعرفه هتلر هو أن كهر قد اجتمع في 6 نوفمبر مع المنظمات شبه العسكرية الرائدة في ميونخ، وأخبرهم أن حكومة بافاريا لن تدعم أي عمل ثوري يهدف إلى إسقاط جمهورية فايمار، كما عارض الجنرال أوتو فون لوسو، رئيس الرايخسفير البافاري، والعقيد هانز ريتر فون سيسر، رئيس الشرطة البافارية، محاولة هتلر الانقلابية المقترحة.

ماذا حدث خلال محاولة انقلاب قاعة البيرة؟

في الدقائق التي تلت دخول هتلر إلى قاعة البيرة، كان كهر بالكاد في وضع يسمح له بمعارضة النازيين الذين اجتاحوا المبنى، وقف عند منصة المتحدث، وتم اقتياده تحت تهديد السلاح إلى غرفة مجاورة، برفقة سيسر، ولوسو، وإرنست بونر، رئيس شرطة ميونخ السابق.

هددهم هتلر بالقتل وقتل نفسه أيضاً إذا رفضوا الانضمام إلى مسيرته إلى العاصمة الألمانية، في هذه الأثناء، وصل لودندورف وأخبر كهر وسيسر ولوسو أنه يدعم خطة هتلر.

ومع ذلك، فوجئ لودندورف إلى حد ما عندما علم أنه في الحكومة الوطنية المقترحة من قبل هتلر، قد تم منحه دور قائد الجيش الأدنى، حيث كان هتلر قد عيّن نفسه بالفعل "دكتاتور ألمانيا".

في الساعة 10:30 مساءً، غادر هتلر قاعة البيرة لتهدئة اشتباك بين وحدة شبه عسكرية من SA والقوات الحكومية في ثكنات المهندسين العسكريين المحلية على بعد بضعة أميال، ترك لودندورف ليحكم كهر، ولوسو، وسيسر.

كان هذا خطأ كبير في الحكم، فقد سمح لودندورف قريباً للثلاثة بالمغادرة، وبمجرد أن أصبحوا أحراراً، اتخذ كهر إجراءات لخنق محاولة هتلر الثورية في مهدها، وقد منح الرئيس الألماني، فريدريش إيبرت، السلطة التنفيذية الكاملة على بافاريا للجنرال فون سيكت، الذي أصدر بياناً يحذر فيه من أن الجيش سيتعامل بحزم مع جميع المتآمرين، وهكذا، قبل دقائق قليلة من منتصف الليل، اعترف هتلر بأن محاولته للإطاحة بديمقراطية فايمار قد فشلت.

ومع ذلك، لم يكن مستعداً للذهاب بهدوء، وكإيماءة ثورية أخيرة ويائسة، قاد زعيم النازيين في اليوم التالي مظاهرة تضم 3000 شخص في ميونخ، مع لودندورف بجانبه.

كان هدفهم هو المسير إلى وزارة الحرب والاستيلاء عليها، لكنهم عندما اقتربوا من فيلدهيرنهالي، في وسط المدينة، وجدوا طريقهم محجوباً بصف من الشرطة البافارية المسلحة بشكل كثيف، وقد تم إطلاق عدة طلقات من الجانبين، أدى ذلك إلى مقتل 14 من النازيين وأربعة ضباط شرطة.

ماذا حدث بعد محاولة انقلاب قاعة البيرة؟

عندما انتهى كل شيء، توجه هتلر إلى منزل صديقه المقرب، مالك الأراضي الثري إرنست "بوتزي" هانفشتانجل، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى لحقت به السلطات.

وفي 11 نوفمبر، تم اعتقال هتلر ونقله إلى قلعة لاندسبيرغ، وهي سجن حديث على بعد 33 ميلاً إلى الغرب من ميونخ، في انتظار محاكمته بتهمة الخيانة العظمى.

لماذا فشلت محاولة انقلاب قاعة البيرة؟

فشلت المحاولة لأن هتلر سمح لحزبه بأن يصبح منظمة شبه عسكرية بحتة، متورطة في مؤامرة غير محددة بوضوح، إذ أشعل هتلر حماس أنصاره، فقط ليجد أنه قد تم التخلي عنه بالفعل من قبل المتآمرين المزعومين.

في يوم اعتقال هتلر، ألقى غوستاف ستريسمان، المستشار الألماني، خطاباً علق فيه على الأحداث الأخيرة في ميونخ، معترفاً بأن "ألمانيا تواجه الآن مطلباً بديكتاتورية". 

لكنه شدد على أن أي شخص يعتقد أن الديكتاتورية ستحسن الأمور، هو يرتكب "خطأ كبيراً"، وقال ستريسمان إن "قوة مدمرة" مثل هتلر لم تكن لتتمكن أبداً من توفير حكومة كفؤة لألمانيا، حتى لو نجح، لكن بالطبع، لم ينجح هتلر، انتهت محاولته الانقلابية بفشل ذريع.

ماذا حدث لهتلر بعد محاولة انقلاب قاعة البيرة؟

عندما بدأت محاكمته في محكمة الشعب الأولى في ميونخ، في 26 فبراير 1924، بدا أن مسيرته السياسية قد تحطمت، وأحلامه في الاستيلاء على السلطة تبددت.

كان من المؤكد أنه ينتظره حكم بالسجن الطويل، ومع ذلك، لم يكن هتلر قد انتهى بعد، ظهر هذا بوضوح في 27 مارس 1924 عندما ألقى خطابه الختامي بعد أربعة أسابيع من التغطية الصحفية العالمية لمحاكمته.

استمر خطابه لأكثر من ساعة ويعتبر من أهم خطاباته في حياته، بدأ هتلر بقوله إن جمهورية فايمار تأسست على "جريمة خيانة عظمى" حيث تم "طعن الجيش الألماني في الظهر" من قبل الاشتراكيين واليهود.

ومع تعرض البلاد لكارثة تلو الأخرى، ظل القادة الديمقراطيون للجمهورية، وفقًا لهتلر، "تابعين للقوى المتحالفة"، تم تقليص ألمانيا إلى بيدق على رقعة الشطرنج الدولية.

وأشار هتلر إلى أن معاهدة فرساي كانت "غير أخلاقية في 440 بنداً"، أما بالنسبة لعصبة الأمم، فقد كان دورها الوحيد هو ضمان "معاهدة السلام الفاسدة".

الآن، كانت "الحكومة المزعومة تجر الأبطال الألمان إلى المحاكم وتصفهم بالخونة"، وأكد أن الاحترام للقانون سيعود فقط عندما يُحاكم رئيس ألمانيا بتهمة الخيانة العظمى.

واختتم هتلر خطابه بالنظر مباشرة إلى القاضي قائلاً: "حتى لو حكمتم علينا بالإدانة ألف مرة، فإن الآلهة الأبدية للمحكمة الأبدية للتاريخ، ستمزق حكم هذه المحكمة بفرح وستبرئنا بلا شك"، استغل هتلر لحظته في دائرة الضوء الدولية، في تلك المحكمة في وسط ميونخ، تمكن بطريقة ما من تحويل الفشل الفادح إلى انتصار.

الحكم والعقوبة

في 1 أبريل، أصدر جورج نايتهاردت، عضو القضاة اليمينيين في بافاريا، الأحكام، ووجد هتلر مذنباً بالخيانة العظمى وحُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، مع تخفيض للمدة التي قضاها بالفعل وهي أربعة أشهر.

هذا جعله مؤهلاً للإفراج المشروط بعد ستة أشهر فقط، كما تلقى غرامة قدرها 200 مارك ذهبي، أما المتهم الرئيسي الآخر في المحاكمة، الجنرال إريش لودندورف – الذي حضر جلسة الحكم مرتدياً زيه العسكري الكامل ومعروضاً جميع ميدالياته – فقد تمت تبرئته من جميع التهم بشكل مذهل.

تأثير محاولة انقلاب قاعة البيرة

أثارت أخبار الأحكام صدمة ليس فقط في الصحافة الألمانية، بل في الصحف حول العالم، صحيفة "فوروارتس" الرائدة التابعة للحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني أدانت المحاكمة ووصفتها بأنها "مهزلة وسخرية"، مشيرة إلى أن الظلم كان واضحاً لدرجة أن القاضي نفسه يجب أن يُحاكم

وتساءلت صحيفة "التايمز" إذا كانت جريمة الخيانة العظمى "تستحق أكثر من مجرد ستة أشهر في السجن؟"، ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأحكام بأنها "نكتة ممتازة ليوم كذبة أبريل".

بدلاً من إخماد طموحات هتلر السياسية، وفرت له المحاكمة أكسجين الشهرة العالمية، لقد جعلته مشهوراً بالنسبة للكثيرين، لم يعد هتلر الشخص الذي فشل في محاولة انقلاب في قاعة بيرة، بل أصبح وطنياً حقيقياً، حاول إنقاذ ألمانيا من الفوضى الديمقراطية.

أدى وقت هتلر في السجن أيضاً إلى بدء كتابة "كفاحي"، الذي أصبح "إنجيل الاشتراكية الوطنية"، والذي صور فيه نفسه كالمسيح السياسي والفلسفي.

جزء من السيرة الذاتية، وجزء من البيان الأيديولوجي، وجزء من خطة العمل السياسي، لا يزال "كفاحي" كتاباً مهماً لفهم جوهر الأيديولوجية النازية، حيث يتبلور فيه كراهيته الشديدة لليهود والماركسيين ويحدد "مجاله الحيوي" في أوروبا الشرقية.

وفي الساعة 12:15 ظهراً في 20 ديسمبر 1924، خرج هتلر من قلعة لاندسبورغ، ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً يتزامن مع إطلاق سراحه تحت عنوان: "هتلر ترويض بالسجن".

ذكرت الصحيفة أن "نصف الإله للمتطرفين الرجعيين" بدا أكثر حكمة عندما غادر السجن، مشيرة إلى أن سلوكه أثناء السجن أقنع السلطات بأنه لم يعد يُخشى منه، و"يُعتقد أنه سيعتزل الحياة الخاصة ويعود إلى النمسا، بلده الأم

لكن بالطبع، لم يكن هتلر يخطط لأي شيء من هذا القبيل، بينما كان في السجن، قضى وقته في تقييم فشله، والتعلم منه، وفوق كل شيء، صياغة خطوته التالية على الساحة السياسية.

خلص إلى أنه لتحقيق النجاح، تحتاج الاشتراكية الوطنية إلى أيديولوجية واضحة وتنظيم وطني – وأن الطريق إلى السلطة يكمن في الأصوات في الانتخابات، وليس في القوة الغاشمة.

بهذه الطريقة، شكلت محاولة انقلاب قاعة البيرة في ميونخ ولادة هتلر كسياسي، ونهاية مسيرته كمناضل في قاعات البيرة، كانت هذه البداية الحقيقية لطريقه نحو السلطة. 

المصدر: HistoryExtra